شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

161 - ومن خطبة له #

صفحة 227 - الجزء 9

  ثم أقسم على كذب هذا الزاعم فقال والعظيم ولم يقل والله العظيم تأكيدا لعظمة البارئ سبحانه لأن الموصوف إذا ألقي وترك واعتمد على الصفة حتى صارت كالاسم كان أدل على تحقق مفهوم الصفة كالحارث والعباس.

  ثم بين مستند هذا التكذيب فقال ما بال هذا الزاعم أنه يرجو ربه ولا يظهر رجاؤه في عمله فإنا نرى من يرجو واحدا من البشر يلازم بابه ويواظب على خدمته ويتحبب إليه ويتقرب إلى قلبه بأنواع الوسائل والقرب ليظفر بمراده منه ويتحقق رجاؤه فيه وهذا الإنسان الذي يزعم أنه يرجو الله تعالى لا يظهر من أعماله الدينية ما يدل على صدق دعواه ومراده # هاهنا ليس شخصا بعينه بل كل إنسان هذه صفته فالخطاب له والحديث معه.

  ثم قال كل رجاء إلا رجاء الله فهو مدخول أي معيب والدخل بالتسكين العيب والريبة ومن كلامهم ترى الفتيان كالنخل وما يدريك ما الدخل وجاء الدخل بالتحريك أيضا يقال هذا الأمر فيه دخل ودغل بمعنى قوله تعالى {وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ}⁣[النحل: ٩٤] أي مكرا وخديعة وهو من هذا الباب أيضا.

  ثم قال وكل خوف محقق إلا خوف الله فإنه معلول محقق أي ثابت أي كل خوف حاصل حقيقة فإنه مع هذا الحصول والتحقق معلول ليس بالخوف الصريح إلا خوف الله وحده وتقواه وهيبته وسطوته وسخطه ذلك لأن الأمر الذي يخاف من العبد سريع الانقضاء والزوال والأمر الذي يخاف من الباري تعالى لا غاية له ولا انقضاء لمحذوره كما قيل في الحديث المرفوع فضوح الدنيا أهون من فضوح الآخرة.