شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

فصل في العزلة والاجتماع وما قيل فيهما

صفحة 39 - الجزء 10

  بتأليف القلوب وبالأخوة عدم الإحن والأحقاد بينهم بعد استعار نارها في الجاهلية وهذا أمر خارج عن حديث العزلة.

  واحتجوا بقول النبي ÷ المؤمن إلف مألوف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف وهذا أيضا ضعيف لأن المراد منه ذم سوء الخلق والأمر بالرفق والبشر فلا يدخل تحته الإنسان الحسن الخلق الذي لو خولط لألف وألف وإنما يمنعه من المخالطة طلب السلامة من الناس.

  واحتجوا بقوله من شق عصا المسلمين فقد خلع ربقة الإسلام عن عنقه وهذا ضعيف أيضا لأنه مختص بالبغاة والمارقين عن طاعة الإمام فلا يتناول أهل العزلة الذين هم أهل طاعة للأئمة إلا أنهم لا يخالطون الناس.

  واحتجوا بنهيه ÷ عن هجر الإنسان أخاه فوق ثلاث وهذا ضعيف لأن المراد منه النهي عن الغضب واللجاج وقطع الكلام والسلام لثوران الغيظ فهذا أمر خارج عن الباب الذي نحن فيه.

  واحتجوا بأن رجلا أتى جبلا يعبد فيه فجاء أهله إلى رسول الله ÷ فنهاه وقال له إن صبر المسلم في بعض مواطن الجهاد يوما واحدا خير له من عبادة أربعين سنة.

  وهذا ضعيف لأنه إنما كان ذلك في ابتداء الإسلام والحث على جهاد المشركين.

  واحتجوا بما روي عنه ÷ أنه قال الشيطان ذئب والناس كالغنم يأخذ القاصية والشاذة إياكم والشعاب وعليكم بالعامة والجماعة والمساجد وهذا ضعيف لأن المراد به من اعتزل الجماعة وخالفها.