شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

نسب جعدة بن هبيرة

صفحة 87 - الجزء 10

  واليفاع الأرض المرتفعة والتجلجل صوت الرعد وما تلاشت عنه بروق الغمام هذه الكلمة أهمل بناءها كثير من أئمة اللغة وهي صحيحة وقد جاءت ووردت قال ابن الأعرابي لشا الرجل إذا اتضع وخس بعد رفعة وإذا صح أصلها صح استعمال الناس تلاشى الشيء بمعنى اضمحل.

  وقال القطب الراوندي تلاشى مركب من لا شيء ولم يقف على أصل الكلمة وقد ظهر الآن أن معنى كلامه # أنه سبحانه يعلم ما يصوت به الرعد ويعلم ما يضمحل عنه البرق.

  فإن قلت وهل يقصد الرعد بجلجلته معنى معقولا ليقال إن البارئ يعلمه ثم ما المراد بكونه عالما بما يضمحل البرق عنه.

  قلت قد يكون تعالى يحدث في الرعد جلجلة أي صوتا ليهلك به قوما أو لينفع به قوما فعلمه بما تتضمنه تلك الجلجلة هو معنى قولنا يعلم ما يصوت به الرعد ولا ريب أن البرق يلمع فيضيء أقطارا مخصوصة ثم يتلاشى عنها فالبارئ سبحانه عالم بتلك الأقطار التي يتلاشى البرق عنها.

  فإن قلت هو سبحانه عالم بما يضيئه البرق وبما لا يضيئه فلما ذا خص بالعالمية ما يتلاشى عنه البرق.

  قلت لأن علمه بما ليس بمضيء بالبرق أعجب وأغرب لأن ما يضيئه البرق يمكن أن يعلمه أولو الأبصار الصحيحة فأراد # أن يشرح من صفاته سبحانه ما هو بخلاف المعتاد بين البشر ليكون إعظام السامعين له سبحانه أتم وأكمل.

  والعواصف الرياح الشديدة وأضافها إلى الأنواء لأن أكثر ما يكون عصفانها في الأنواء وهي جمع نوء وهو سقوط النجم من منازل القمر الثمانية والعشرين في المغرب