شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

23 - ومن خطبة له #

صفحة 314 - الجزء 1

  الفالج الظافر الفائز، فلج يفلج بالضم، وفي المثل من يأت الحكم وحده يفلج، والياسر الذي يلعب بالقداح، واليسر مثله والجمع أيسار، وفي الكلام تقديم وتأخير تقديره كالياسر الفالج، أي: كاللاعب بالقداح المحظوظ منها، وهو من باب تقديم الصفة على الموصوف كقوله تعالى: {وَغَرَابِيبُ سُودٌ ٢٧}⁣[فاطر: ٢٧] وحسن ذلك هاهنا أن اللفظتين صفتان، وإن كانت إحداهما مرتبة على الأخرى.

  وقوله: ليست بتعذير، أي: ليست بذات تعذير أي: تقصير فحذف المضاف، كقوله تعالى: {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ ٤ النَّارِ}⁣[البروج: ٤ - ٥] أي: ذي النار.

  وقوله: هم أعظم الناس حيطة كبيعة، أي: رعاية وكلاءة ويروى حيطة كغيبة، وهي مصدر حاط، أي: تحننا وتعطفا.

  والخصاصة الفقر يقول القضاء والقدر ينزلان من السماء إلى الأرض كقطر المطر، أي: مبثوث في جميع أقطار الأرض إلى كل نفس بما قسم لها من زيادة أو نقصان في المال، والعمر، والجاه، والولد، وغير ذلك، فإذا رأى أحدكم لأخيه زيادة في رزق أو عمر أو ولد وغير ذلك، فلا يكونن ذلك له فتنة تفضي به إلى الحسد، فإن الإنسان المسلم إذا كان غير مواقع لدناءة وقبيح يستحيي من ذكره بين الناس ويخشع إذا قرع به ويغرى لئام الناس بهتك ستره به كاللاعب بالقداح المحظوظ منها ينتظر أول فوزة وغلبة من قداحه تجلب له نفعا، وتدفع عنه ضرا كذلك من وصفنا حاله يصبر وينتظر إحدى الحسنيين إما أن يدعوه الله فيقبضه إليه ويستأثر به، فالذي عند الله خير له وإما أن ينسأ في أجله فيرزقه الله أهلا ومالا فيصبح، وقد اجتمع له ذلك مع حسبه ودينه ومروءته المحفوظة عليه.

  ثم قال: المال والبنون حرث الدنيا، وهو من قوله سبحانه: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ