شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

ذكر أقوال من طعن في سياسة علي والرد عليها

صفحة 258 - الجزء 10

  إلا قوم مثلهم بل أقل منهم عدة وأضعف عدة ولذلك لما حال معاوية بين أهل العراق وبين الماء وقال لأمنعنهم وروده فأقتلهم بشفار الظمأ قال له عمرو بن العاص خل بين القوم وبين الماء فليسوا ممن يرى الماء ويصبر عنه فقال لا والله لا أخلي لهم عنه فسفه رأيه وقال أتظن أن ابن أبي طالب وأهل العراق يموتون بإزائك عطشا والماء بمقعد الأزر وسيوفهم في أيديهم فلج معاوية وقال لا أسقيهم قطرة كما قتلوا عثمان عطشا فلما مس أهل العراق العطش أشار علي # إلى الأشعث أن احمل وإلى الأشتر أن احمل فحملا بمن معهما فضربا أهل الشام ضربا أشاب الوليد وفر معاوية ومن رأى رأيه وتابعه على قوله عن الماء كما تفر الغنم خالطتها السباع وكان قصارى أمره ومنتهى همته أن يحفظ رأسه وينجو بنفسه وملك أهل العراق عليهم الماء ودفعوهم عنه فصاروا في البر القفر وصار علي # وأصحابه على شريعة الفرات مالكين لها فما الذي كان يؤمن عليا # لو أعطش القوم أن يذوق هو وأصحابه منهم مثل ما أذاقهم وهل بعد الموت بالعطش أمر يخافه الإنسان وهل يبقى له ملجأ إلا السيف يحمل به فيضرب خصمه إلى أن يقتل أحدهما.

  ومنها قولهم أخطأ حيث محا اسمه بالخلافة من صحيفة الحكومة فإن ذلك مما وهنه عند أهل العراق وقوى الشبهة في نفوس أهل الشام.

  والجواب أنه # احتذى في ذلك لما دعي إليه واقترحه الخصم عليه فعل رسول الله ÷ في صحيفة الحديبية حيث محا اسمه من النبوة لما قال له سهيل بن عمرو لو علمنا أنك رسول الله لما حاربناك ولا منعناك عن البيت وقد قال له ÷ وهو يومئذ كاتب تلك الصحيفة ستدعى إلى مثلها فتجيب وهذا من أعلام نبوته ÷ ومن دلائل صدقه ومثله جرى له حذو القذة بالقذة.