شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

ذكر أقوال من طعن في سياسة علي والرد عليها

صفحة 257 - الجزء 10

  وما كان يسوغ لعلي # في الدين إذا طلبه المسلمون للخلافة أن يمتنع عنها ويعلم أنها ستصير إذا امتنع إلى هؤلاء فلذلك فتح بابه وامتنع امتناع من يحاول أن يعلم ما في قلوب الناس هل لرغبتهم إليه حقيقة أم لا فلما رأى منهم التصميم وافق لوجوب الموافقة عليه وقد قال في خطبته لو لا حضور الحاضر ووجوب الحجة بوجود الناصر ... لألقيت حبلها على غاربها ولسقيت آخرها بكأس أولها وهذا تصريح بما قلناه.

  ومنها قولهم هلا إذ ملك شريعة الفرات على معاوية بعد أن كان معاوية ملكها عليه ومنعه وأهل العراق منها منع معاوية وأهل الشام منها فكان يأخذهم قبضا بالأيدي فإنه لم يصبر على منعهم عن الماء بل فسح لهم في الورود وهذا يخالف ما يقتضيه تدبير الحرب.

  الجواب أنه # لم يكن يستحل ما استحله معاوية من تعذيب البشر بالعطش فإن الله تعالى ما أمر في أحد من العصاة الذين أباح دماءهم بذلك ولا فسح فيه في نحو القصاص أو حد الزاني المحصن أو قتل قاطع الطريق أو قتال البغاة والخوارج وما كان أمير المؤمنين ممن يترك حكم الله وشريعته ويعتمد ما هو محرم فيها لأجل الغلبة والقهر والظفر بالعدو ولذلك لم يكن يستحل البيات ولا الغدر ولا النكث وأيضا فمن الجائز أن يكون # غلب على ظنه أن أهل الشام إن منعوا من الماء كان ذلك أدعى لهم إلى الحملات الشديدة المنكرة على عسكره وأن يضعوا فيهم السيوف فيأتوا عليهم ويكسروهم بشدة حنقهم وقوة داعيهم إلى ورود الماء فإن ذلك من أشد الدواعي إلى أن يستميت القوم ويستقتلوا ومن الذي يقف بين يدي جيش عظيم عرمرم قد اشتد بهم العطش وهم يرون الماء كبطون الحيات لا يحول بينهم وبينه