شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

ذكر بعض أحوال المنافقين بعد وفاة محمد #

صفحة 41 - الجزء 11

ذكر بعض أحوال المنافقين بعد وفاة محمد #

  واعلم أن هذا التقسيم صحيح وقد كان في أيام الرسول ÷ منافقون وبقوا بعده وليس يمكن أن يقال إن النفاق مات بموته والسبب في استتار حالهم بعده أنه ÷ كان لا يزال بذكرهم بما ينزل عليه من القرآن فإنه مشحون بذكرهم ألا ترى أن أكثر ما نزل بالمدينة من القرآن مملوء بذكر المنافقين فكان السبب في انتشار ذكرهم وأحوالهم وحركاتهم هو القرآن فلما انقطع الوحي بموته ÷ لم يبق من ينعى عليهم سقطاتهم ويوبخهم على أعمالهم ويأمر بالحذر منهم ويجاهرهم تارة ويجاملهم تارة وصار المتولي للأمر بعده يحمل الناس كلهم على كاهل المجاملة ويعاملهم بالظاهر وهو الواجب في حكم الشرع والسياسة الدنيوية بخلاف حال الرسول ÷ فإنه كان تكليفه معهم غير هذا التكليف ألا ترى أنه قيل له وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً فهذا يدل على أنه كان يعرفهم بأعيانهم وإلا كان النهي له عن الصلاة عليهم تكليف ما لا يطاق والوالي بعده لا يعرفهم بأعيانهم فليس مخاطبا بما خوطب به ÷ في أمرهم ولسكوت الخلفاء عنهم بعده خمل ذكرهم فكان قصارى أمر المنافق أن يسر ما في قلبه ويعامل المسلمين بظاهره ويعاملونه بحسب ذلك ثم فتحت عليهم البلاد وكثرت الغنائم فاشتغلوا بها عن الحركات التي كانوا يعتمدونها أيام رسول الله وبعثهم الخلفاء مع الأمراء إلى بلاد فارس والروم فألهتهم الدنيا عن الأمور التي كانت تنقم منهم في حياة رسول الله ÷ ومنهم من استقام اعتقاده وخلصت نيته لما رأوا الفتوح وإلقاء الدنيا أفلاذ كبدها من الأموال العظيمة والكنوز الجليلة إليهم فقالوا لو لم يكن هذا الدين