204 - ومن خطبة له #
  كثير من الحكماء الذين قالوا بحدوث السماء منهم ثاليس الملطي قالوا أصل الأجسام الماء وخلقت الأرض من زبده والسماء من بخاره وقد جاء القرآن العزيز بنحو هذا قال سبحانه اَلَّذِي خَلَقَ اَلسَّماواتِ وَاَلْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى اَلْماءِ.
  قال شيخنا أبو علي وأبو القاسم رحمهما الله في تفسيريهما هذه الآية دالة على أن الماء والعرش كانا قبل خلق السموات والأرض قالا وكان الماء على الهواء قالا وهذا يدل أيضا علي أن الملائكة كانوا موجودين قبل خلق السموات والأرض لأن الحكيم سبحانه لا يجوز أن يقدم خلق الجماد على خلق المكلفين لأنه يكون عبثا.
  وقال علي بن عيسى الرماني من مشايخنا أنه غير ممتنع أن يخلق الجماد قبل الحيوان إذا علم أن في إخبار المكلفين بذلك لطفا لهم ولا يصح أن يخبرهم إلا وهو صادق فيما أخبر به وإنما يكون صادقا إذا كان المخبر خبره على ما أخبر عنه وفي ذلك حسن تقديم خلق الجماد على خلق الحيوان وكلام أمير المؤمنين # يدل على أنه كان يذهب إلى أن الأرض موضوعة على ماء البحر وأن البحر حامل لها بقدرة الله تعالى وهو معنى قوله يحملها الأخضر المثعنجر والقمقام المسخر وأن البحر الحامل لها قد كان جاريا فوقف تحتها وأنه تعالى خلق الجبال في الأرض فجعل أصولها راسخة في ماء البحر الحامل للأرض وأعاليها شامخة في الهواء وأنه سبحانه جعل هذه الجبال عمادا للأرض وأوتادا تمنعها من الحركة والاضطراب ولولاها لماجت واضطربت وأن هذا البحر الحامل للأرض تصعد فيه الرياح الشديدة فتحركه حركة عنيفة وتموج السحب التي تغترف الماء منه لتمطر الأرض به وهذا كله مطابق لما في الكتاب العزيز والسنة النبوية والنظر الحكمي ألا ترى إلى قوله تعالى {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ