204 - ومن خطبة له #
  كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا}[الأنبياء: ٣٠] وهذا هو صريح قوله # ففتقها سبع سموات بعد ارتتاقها وإلى قوله تعالى {وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ}[الأنبياء: ٣١] وإلى ما ورد في الخبر من أن الأرض مدحوة على الماء وأن الرياح تسوق السحب إلى الماء نازلة ثم تسوقها عنه صاعدة بعد امتلائها ثم تمطر.
  وأما النظر الحكمي فمطابق لكلامه إذا تأمله المتأمل وحمله على المحمل العقلي وذلك لأن الأرض هي آخر طبقات العناصر وقبلها عنصر الماء وهو محيط بالأرض كلها إلا ما برز منها وهو مقدار الربع من كرة الأرض على ما ذكره علماء هذا الفن وبرهنوا عليه فهذا تفسير قوله # يحملها الأخضر المثعنجر.
  وأما قوله ووقف الجاري منه لخشيته فلا يدل دلالة قاطعة على أنه كان جاريا ووقف ولكن ذلك كلام خرج مخرج التعظيم والتبجيل ومعناه أن الماء طبعه الجريان والسيلان فهو جار بالقوة وإن لم يكن جاريا بالفعل وإنما وقف ولم يجر بالفعل بقدرة الله تعالى المانعة له من السيلان وليس قوله ورست أصولها في الماء مما ينافي النظر العقلي لأنه لم يقل ورست أصولها في ماء البحر ولكنه قال في الماء ولا شبهة في أن أصول الجبال راسية في الماء المتخلخل بين أجزاء الأرض فإن الأرض كلها يتخلخل الماء بين أجزائها على طريق استحالة البخار من الصورة الهوائية إلى الصورة المائية.
  وليس ذكره للجبال وكونها مانعة للأرض من الحركة بمناف أيضا للنظر الحكمي لأن الجبال في الحقيقة قد تمنع من الزلزلة إذا وجدت أسبابها الفاعلة فيكون ثقلها مانعا من الهدة والرجفة.