شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

209 - ومن خطبة له # خطبها بصفين

صفحة 89 - الجزء 11

  ثم عاد إلى تقرير الكلام الأول وهو وجوب الحق له وعليه فقال إنه لا يجري لأحد إلا وجرى عليه وكذلك لا يجري عليه إلا وجرى له أي ليس ولا واحد من الموجودين بمرتفع عن أن يجري الحق عليه ولو كان أحد من الموجودين كذلك لكان أحقهم بذلك البارئ سبحانه لأنه غاية الشرف بل هو فوق الشرف وفوق الكمال والتمام وهو مالك الكل وسيد الكل فلو كان لجواز هذه القضية وجه ولصحتها مساغ لكان البارئ تعالى أولى بها وهي ألا يستحق عليه شيء وتقدير الكلام لكنه يستحق عليه أمور فهو في هذا الباب كالواحد منا يستحق ويستحق عليه ولكنه # حذف هذا الكلام المقدر أدبا وإجلالا لله تعالى أن يقول إنه يستحق عليه شي ء.

  فإن قلت فما بال المتكلمين لا يتأدبون بأدبه # وكيف يطلقون عليه تعالى الوجوب والاستحقاق.

  قلت ليست وظيفة المتكلمين وظيفة أمير المؤمنين # في عباراتهم هؤلاء أرباب صناعة وعلم يحتاج إلى ألفاظ واصطلاح لا بد لهم من استعماله للإفهام والجدل بينهم وأمير المؤمنين إمام يخطب على منبره يخاطب عربا ورعية ليسوا من أهل النظر ولا مخاطبته لهم لتعليم هذا العلم بل لاستنفارهم إلى حرب عدوه فوجب عليه بمقتضى الأدب أن يتوقى كل لفظة توهم ما يستهجنه السامع في الأمور الإلهية وفي غيرها.

  فإن قلت فما هذه الأمور التي زعمت أنها تستحق على البارئ سبحانه وأن أمير المؤمنين # حذفها من اللفظ واللفظ يقتضيها.

  قلت الثواب والعوض وقبول التوبة واللطف والوفاء بالوعد والوعيد وغير ذلك مما يذكره أهل العدل.