شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

209 - ومن خطبة له # خطبها بصفين

صفحة 90 - الجزء 11

  فإن قلت فما معنى قوله لكان ذلك خالصا لله سبحانه دون خلقه لقدرته على عباده ولعدله في كل ما جرت عليه صروف قضائه وهب أن تعليل عدم استحقاق شيء على الله تعالى بقدرته على عباده صحيح كيف يصح تعليل ذلك بعدله في كل ما جرت عليه صروف قضائه ألا ترى أنه ليس بمستقيم أن تقول لا يستحق على البارئ شيء لأنه عادل وإنما المستقيم أن تقول لا يستحق عليه شيء لأنه مالك ولذلك عللت الأشعرية هذا الحكم بأنه مالك الكل والاستحقاق إنما يكون على من دونه.

  قلت التعليل صحيح وهو أيضا مما عللت به الأشعرية مذهبها وذلك لأنه إنما يتصور الاستحقاق على الفاعل المختار إذا كان ممن يتوقع منه أو يصح منه أن يظلم فيمكن حينئذ أن يقال قد وجب عليه كذا واستحق عليه كذا فأما من لا يمكن أن يظلم ولا يتصور وقوع الظلم منه ولا الكذب ولا خلف الوعد والوعيد فلا معنى لإطلاق الوجوب والاستحقاق عليه كما لا يقال كذا الداعي الخالص يستحق عليه أن يفعل ما دعاه إليه الداعي ويجب عليه أن يفعل ما دعاه إليه الداعي مثل الهارب من الأسد والشديد العطش إذا وجد الماء ونحو ذلك.

  فإن قلت أليس يشعر قوله # وجعل جزاءهم عليه مضاعفة الثواب تفضلا منه بمذهب البغداديين من أصحابكم وهو قولهم إن الثواب تفضل من الله سبحانه وليس بواجب.

  قلت لا وذلك لأنه جعل المتفضل به هو مضاعفة الثواب لا أصل الثواب وليس ذلك بمستنكر عندنا.

  فإن قلت أيجوز عندكم أن يستحق المكلف عشرة أجزاء من الثواب فيعطى عشرين جزءا منه أليس من مذهبكم أن التعظيم والتبجيل لا يجوز من البارئ سبحانه أن يفعلهما