شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

209 - ومن خطبة له # خطبها بصفين

صفحة 96 - الجزء 11

  لكل داع لا يمتحنون في أقوالهم وأعمالهم بنقد ولا يرجعون في الموالاة إلى عقد.

  وكان يقال ترك المعاقبة للسفلة على صغار الجرائم تدعوهم إلى ارتكاب الكبائر العظائم ألا ترى أول نشور المرأة كلمة سومحت بها وأول حران الدابة حيدة سوعدت عليها.

  ويقال إن عثمان قال يوما لجلسائه وهو محصور في الفتنة وددت أن رجلا صدوقا أخبرني عن نفسي وعن هؤلاء فقام إليه فتى فقال إني أخبرك تطأطأت لهم فركبوك وما جراهم على ظلمك إلا إفراط حلمك قال صدقت فهل تعلم ما يشب نيران الفتن قال نعم سألت عن ذلك شيخا من تنوخ كان باقعة قد نقب في الأرض وعلم علما جما فقال الفتنة يثيرها أمران أثرة تضغن على الملك الخاصة وحلم يجزئ عليه العامة قال فهل سألته عما يخمدها قال نعم زعم أن الذي يخمدها في ابتدائها استقالة العثرة وتعميم الخاصة بالأثرة فإذا استحكمت الفتنة أخمدها الصبر قال عثمان صدقت وإني لصابر حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين ويقال إن يزدجرد بن بهرام سأل حكيما ما صلاح الملك قال الرفق بالرعية وأخذ الحق منها بغير عنف والتودد إليها بالعدل وأمن السبل وإنصاف المظلوم قال فما صلاح الملك قال وزراؤه إذا صلحوا صلح قال فما الذي يثير الفتن قال ضغائن يظهرها جرأة عامه واستخفاف خاصة وانبساط الألسن بضمائر القلوب وإشفاق موسر وأمن معسر وغفلة مرزوق ويقظة محروم قال وما يسكنها قال أخذ العدة لما يخاف وإيثار الجد حين يلتذ الهزل والعمل بالحزم وادراع الصبر والرضا بالقضاء.

  وكان يقال خير الملوك من أشرب قلوب رعيته محبته كما أشعرها هيبته ولن ينال ذلك منها حتى تظفر منه بخمسه أشياء إكرام شريفها ورحمة ضعيفها وإغاثة لهيفها