شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

214 - ومن كلام له #

صفحة 133 - الجزء 11

  إدراك السول وبلوغ المأمول بالصبر على الجوع وفقد الهجوع وسيلان الدموع واعلم أن تقليل المأكول لا ريب في أنه نافع للنفس والأخلاق والتجربة قد دلت عليه لأنا نرى المكثر من الأكل يغلبه النوم والكسل وبلادة الحواس وتتبخر المأكولات الكثيرة أبخرة كثيرة فتتصاعد إلى الدماغ فتفسد القوى النفسانية وأيضا فإن كثرة المأكل تزيل الرقة وتورث القساوة والسبعية والقياس أيضا يقتضي ذلك ولأن كثرة المزاولات سبب لحصول الملكات فالنفس إذا توفرت على تدبير الغذاء وتصريفه كان ذلك شغلا شاغلا لها وعائقا عظيما عن انصبابها إلى الجهة الروحانية العالية ولكن ينبغي أن يكون تقليل الغذاء إلى حد يوجب جوعا قليلا فإن الجوع المفرط يورث ضعف الأعضاء الرئيسة واضطرابها واختلال قواها وذلك يقتضي تشويش النفس واضطراب الفكر واختلال العقل ولذلك تعرض الأخلاط السوداوية لمن أفرط عليه الجوع فإذن لا بد من إصلاح أمر الغذاء بأن يكون قليل الكمية كثير الكيفية فتؤثر قلة كميته في أنه لا يشغل النفس بتدبير الهضم عن التوجه إلى الجهة العالية الروحانية وتؤثر كثرة كيفيته في تدارك الخلل الحاصل له من قلة الكمية ويجب أن يكون الغذاء شديد الإمداد للأعضاء الرئيسة لأنها هي المهمة من أعضاء البدن وما دامت باقية على كمال حالها لا يظهر كثير خلل من ضعف غيرها من الأعضاء