شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

216 - ومن كلام له # قاله بعد تلاوته

صفحة 146 - الجزء 11

  وزورا ما أغفله إشارة إلى القوم الذين افتخروا جعلهم بتذكر الأموات السالفين كالزائرين لقبورهم والزور اسم للواحد والجمع كالخصم والضيف قال ما أغفلهم عما يراد منهم لأنهم تركوا العبادة والطاعة وصرموا الأوقات بالمفاخرة بالموتى.

  ثم قال وخطرا ما أفظعه إشارة إلى الموت أي ما أشده فظع الشيء بالضم فهو فظيع أي شديد شنيع مجاوز للمقدار.

  قوله لقد استخلوا منهم أي مدكر قال الراوندي أي وجدوا موضع التذكر خاليا من الفائدة وهذا غير صحيح وكيف يقول ذلك وقد قال وخطرا ما أفظعه وهل يكون أمر أعظم تذكيرا من الاعتبار بالموتى والصحيح أنه أراد باستخلوا ذكر من خلا من آبائهم أي من مضى يقال هذا الأمر من الأمور الخالية وهذا القرن من القرون الخالية أي الماضية.

  واستخلى فلان في حديثه أي حدث عن أمور خالية والمعنى أنه استعظم ما يوجبه حديثهم عما خلا وعمن خلا من أسلافهم وآثار أسلافهم من التذكير فقال أي مدكر وواعظ في ذلك وروي أي مذكر بمعنى المصدر كالمعتقد بمعنى الاعتقاد والمعتبر بمعنى الاعتبار.

  وتناوشوهم من مكان بعيد أي تناولوهم والمراد ذكروهم وتحدثوا عنهم فكأنهم تناولوهم وهذه اللفظة من ألفاظ القرآن العزيز وَقالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ اَلتَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ وأنى لهم تناول الإيمان حينئذ بعد فوات الأمر