بيان أحوال العارفين
  ومنها الاستقامة وحقيقتها الدوام والاستمرار على الحال قال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا}[فصلت: ٣٠].
  و سئل بعضهم عن تارك الاستقامة فقال قد ذكر الله ذلك في كتابه فقال {وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا}[النحل: ٩٢] وفي الحديث المرفوع شيبتني هود فقيل له في ذلك فقال قوله {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ}[هود: ١١٢].
  و قال تعالى {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا ١٦}[الجن: ١٦] فلم يقل سقيناهم بل أسقيناهم أي جعلنا لهم سقيا دائمة وذلك لأن من دام على الخدمة دامت عليه النعمة.
  ومنها الإخلاص وهو إفراد الحق خاصة في الطاعة بالقصد والتقرب إليه بذلك خاصة من غير رياء ومن غير أن يمازحه شيء آخر من تصنع لمخلوق أو اكتساب محمدة بين الناس أو محبة مدح أو معنى من المعاني ولذلك قال أرباب هذا الفن الإخلاص تصفية العمل عن ملاحظة المخلوقين.
  وقال الخواص من هؤلاء القوم نقصان كل مخلص في إخلاصه رؤية إخلاصه فإذا أراد الله أن يخلص إخلاص عبد أسقط عن إخلاصه رؤيته لإخلاصه فيكون مخلصا لا مخلصا.
  وجاء في الأثر عن مكحول ما أخلص عبد لله أربعين صباحا إلا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه.