بيان أحوال العارفين
  المريد والمراد فقال المريد سائر والمراد طائر ومتى يلحق السائر الطائر.
  أرسل ذو النون المصري رجلا إلى أبي يزيد وقال له إلى متى النوم والراحة قد سارت القافلة فقال له أبو يزيد قل لأخي الرجل من ينام الليل كله ثم يصبح في المنزل قبل القافلة فقال ذو النون هنيئا له هذا الكلام لا تبلغه أحوالنا.
  وقد تكلم الحكماء في هذا المقام فقال أبو علي بن سينا في كتاب الإشارات أول درجات حركات العارفين ما يسمونه هم الإرادة وهو ما يعتري المستبصر باليقين البرهاني أو الساكن النفس إلى العقد الإيماني من الرغبة في اعتلاق العروة الوثقى فيتحرك سره إلى القدس لينال من روح الاتصال فما دامت درجته هذه فهو مريد.
  ثم إنه ليحتاج إلى الرياضة والرياضة موجهة إلى ثلاثة أغراض الأول تنحيه ما دون الحق عن سنن الإيثار.
  والثاني تطويع النفس الأمارة للنفس المطمئنة لتنجذب قوى التخيل والوهم إلى التوهمات المناسبة للأمر القدسي منصرفة من التوهمات المناسبة للأمر السفلي.
  والثالث تلطيف السر لنفسه.
  فالأول يعين عليه الزهد الحقيقي والثاني يعين عليه عدة أشياء العبادة المشفوعة بالفكرة ثم الألحان المستخدمة لقوى النفس الموقعة لما لحن بها من الكلام موقع القبول من الأوهام ثم نفس الكلام الواعظ من قائل ذكي بعبارة بليغة ونغمة رخيمة وسمت رشيد والثالث يعين عليه الفكر اللطيف والعشق العفيف الذي تتأمر فيه شمائل المعشوق دون سلطان الشهوة.