شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

بيان أحوال العارفين

صفحة 223 - الجزء 11

  والبخيل بعيد من الله بعيد من الناس وأن الجاهل السخي أحب إلى الله من العابد البخيل.

  قالوا لا فرق بين الجود والسخاء في اصطلاح أهل العربية إلا أن الباري سبحانه لا يوصف بالسخاء لأنه يشعر بسماح النفس عقيب التردد في ذلك وأما في اصطلاح أرباب هذه الطريقة فالسخاء هو الرتبة الأولى والجود بعده ثم الإيثار فمن أعطى البعض وأبقى البعض فهو صاحب السخاء ومن أعطى الأكثر وأبقى لنفسه شيئا فهو صاحب الجود والذي قاسى الضراء وآثر غيره بالبلغة فهو صاحب الإيثار.

  قال أسماء بن خارجة الفزاري ما أحب أن أرد أحدا عن حاجة طلبها إن كان كريما صنت عرضه عن الناس وإن كان لئيما صنت عنه عرضي.

  كان مؤرق العجلي يتلطف في بر إخوانه يضع عندهم ألف درهم ويقول أمسكوها حتى أعود إليكم ثم يرسل إليهم أنتم منها في حل.

  وكان يقال الجود إجابة الخاطر الأول.

  وكان أبو الحسن البوشنجي في الخلاء فدعا تلميذا له فقال انزع عني هذا القميص وادفعه إلى فلان فقيل له هلا صبرت فقال لم آمن على نفسي أن تغير علي ما وقع لي من التخلق معه بالقميص.

  رئي علي # يوما باكيا فقيل له لم تبكي فقال لم يأتني ضيف منذ سبعة أيام أخاف أن يكون الله قد أهانني.

  أضاف عبد الله بن عامر رجلا فأحسن قراه فلما أراد أن يرتحل لم يعنه غلمانه فسئل عن ذلك فقال إنهم إنما يعينون من نزل علينا لا من ارتحل عنا.

  ومنها الغيرة قال رسول الله ÷ لا أحد أغير من الله إنما حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن لغيرته