شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

خطب عمر الطوال

صفحة 111 - الجزء 12

  إن الله سبحانه قد استوجب عليكم الشكر واتخذ عليكم الحجج فيما آتاكم من كرامة الدنيا والآخرة من غير مسألة منكم ولا رغبة منكم فيه إليه فخلقكم تبارك وتعالى ولم تكونوا شيئا لنفسه وعبادته وكان قادرا أن يجعلكم لأهون خلقه عليه فجعلكم عامة خلقه ولم يجعلكم لشيء غيره وسخر لكم ما في السموات والأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة وحملكم في البر والبحر ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون ثم جعل لكم سمعا وبصرا ومن نعم الله عليكم نعم عم بها بني آدم ومنها نعم اختص بها أهل دينكم ثم صارت تلك النعم خواصها في دولتكم وزمانكم وطبقتكم وليس من تلك النعم نعمة وصلت إلى امرئ خاصة إلا لو قسمتم ما وصل منها بين الناس كلهم أتعبهم شكرها وفدحهم حقها إلا بعون الله مع الإيمان بالله ورسوله فأنتم مستخلفون في الأرض قاهرون لأهلها قد نصر الله دينكم فلم تصبح أمة مخالفة لدينكم إلا أمتين أمة مستعبدة للإسلام وأهله يتجرون لكم تستصفون معايشهم وكدائحهم ورشح جباههم عليهم المئونة ولكم المنفعة وأمة تنتظر وقائع الله وسطواته في كل يوم وليلة قد ملأ الله قلوبهم رعبا فليس لهم معقل يلجئون إليه ولا مهرب يتقون به قد دهمتهم جنود الله ونزلت بساحتهم مع رفاغة العيش واستفاضة المال وتتابع البعوث وسد الثغور بإذن الله في العافية الجليلة العامة التي لم تكن الأمة على أحسن منها منذ كان الإسلام والله المحمود مع الفتوح العظام في كل بلد فما عسى أن يبلغ شكر الشاكرين وذكر الذاكرين واجتهاد المجتهدين مع هذه النعم التي لا يحصى عددها ولا يقدر قدرها ولا يستطاع أداء حقها إلا بعون الله ورحمته ولطفه فنسأل الله الذي أبلانا هذا أن يرزقنا العمل بطاعته والمسارعة إلى مرضاته واذكروا عباد الله بلاء الله عندكم واستتموا نعمة الله عليكم وفي مجالسكم مثنى وفرادى فإن الله تعالى قال لموسى