شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

خطب عمر الطوال

صفحة 112 - الجزء 12

  {أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ}⁣[إبراهيم: ٥] وقال لمحمد ÷ {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ}⁣[الأنفال: ٢٦] فلو كنتم إذ كنتم مستضعفين محرومين خير الدنيا على شعبة من الحق تؤمنون بها وتستريحون إليها مع المعرفة بالله وبدينه وترجون الخير فيما بعد الموت ولكنكم كنتم أشد الناس عيشة وأعظم الناس بالله جهالة فلو كان هذا الذي ابتلاكم به لم يكن معه حظ في دنياكم غير أنه ثقة لكم في آخرتكم التي إليها المعاد والمنقلب وأنتم من جهد المعيشة على ما كنتم عليه كنتم أحرياء إن تشحوا على نصيبكم منه وإن تظهروه على غيره فبله أما إنه قد جمع لكم فضيلة الدنيا وكرامة الآخرة أو لمن شاء أن يجمع ذلك منكم فأذكركم الله الحائل بينكم وبين قلوبكم إلا ما عرفتم حق الله وعملتم له وسيرتم أنفسكم على طاعته وجمعتم مع السرور بالنعم خوفا لزوالها وانتقالها ووجلا من تحويلها فإنه لا شيء أسلب للنعمة من كفرانها وأن الشكر أمن للغير ونماء للنعمة واستجلاب للزيادة وهذا علي في أمركم ونهيكم واجب إن شاء الله وروى أبو عبيدة معمر بن المثنى في كتاب مقاتل الفرسان قال كتب عمر إلى سلمان بن ربيعة الباهلي أو إلى النعمان بن مقرن أن في جندك رجلين من العرب عمرو بن معديكرب وطليحة بن خويلد فأحضرهما الناس وأدبهما وشاورهما في الحرب وابعثهما في الطلائع ولا تولهما عملا من أعمال المسلمين وإذا وضعت الحرب أوزارها فضعهما حيث وضعا أنفسهما قال وكان عمرو ارتد وطليحة تنبأ.