روى أبو مخنف أيضا أن عمارا قال هذا البيت ذلك اليوم
  ونهروني حتى رفع ذلك من أمري للوليد بن عقبة فبعث إلي فحبسني.
  قال وهذه الجملة التي أوردناها قليل من كثير في أن الخلاف كان واقما والرضا كان مرتفعا والأمر إنما تم بالحيلة والمكر والخداع وأول شيء مكر به عبد الرحمن أنه ابتدأ فأخرج نفسه من الأمر ليتمكن من صرفه إلى من يريد وليقال أنه لو لا إيثاره الحق وزهده في الولاية لما أخرج نفسه منها ثم عرض على أمير المؤمنين # ما يعلم أنه لا يجيب إليه ولا تلزمه الإجابة إليه من السير فيهم بسيرة الرجلين وعلم أنه # لا يتمكن من أن يقول إن سيرتهما لا تلزمني لئلا ينسب إلى الطعن عليهما وكيف يلزم سيرتهما وكل واحد منهما لم يسر بسيرة الآخر بل اختلفا وتباينا في كثير من الأحكام هذا بعد أن قال لأهل الشورى وثقوا إلي من أنفسكم بأنكم ترضون باختياري إذا أخرجت نفسي فأجابوه على ما رواه أبو مخنف بإسناده إلى ما عرض عليهم إلا أمير المؤمنين # فإنه قال انظر لعلمه بما يجر هذا المكر حتى أتاهم أبو طلحة فأخبره عبد الرحمن بما عرض وما جاء به القوم إياه إلا عليا فأقبل أبو طلحة على علي # فقال يا أبا الحسن إن أبا محمد ثقة لك وللمسلمين فما بالك تخافه وقد عدل بالأمر عن نفسه فلن يتحمل المأثم لغيره فأحلف علي # عبد الرحمن بما عرض ألا يميل إلى الهوى وأن يؤثر الحق ويجتهد للأمة ولا يحابي ذا قرابة فحلف له وهذا غاية ما يتمكن منه أمير المؤمنين # في الحال لأن عبد الرحمن لما أخرج نفسه من الأمر وظنت به الجماعة الخير وفوضت إليه الاختيار لم يقدر أمير المؤمنين # على أن يخالفهم وينقض ما اجتمعوا عليه فكان أكثر ما تمكن منه أن أحلفه وصرح بما يخافه من جهته من الميل إلى الهوى وإيثار القرابة غير أن ذلك كله لم يغن شيئا.