فصل في ذكر أحوال الذرة وعجائب النملة
  المعتزلة إلا القليل قال قد كنت ألقى من الذر والنمل في الرطب يكون عندي وفي الطعام عنتا كثيرا وذلك لأني كنت لا أستقذر النملة ولا الذرة ثم وجدت الواحدة منهما إذا وقعت في قارورة بان أو زئبق أو خيري فسد ذلك الدهن وزنخ فقذرتها ونفرت منها وقلت أخلق بطبيعتها أن تكون فاسدة خبيثة وكنت أرى لها عضا منكرا فأقول إنها من ذوات السموم ولو أن بدن النملة زيد في أجزائه حتى يلحق ببدن العقرب ثم عضت إنسانا لكانت عضتها أضر عليه من لسعة العقرب.
  قال فاتخذت عند ذلك لطعامي منملة وقيرتها وصببت في خندقها الماء ووضعت سلة الطعام على رأسها فغبرت أياما أكشف رأس السلة بعد ذلك وفيها ذر كثير ووجدت الماء في الخندق على حاله فقلت عسى أن يكون بعض الصبيان أنزلها وأكل مما فيها وطال مكثها في الأرض وقد دخلها الذر ثم أعيدت على تلك الحال وتكلمت في ذلك وتعرفت الحال فيه فعرفت البراءة في عذرهم والصدق في خبرهم فاشتد تعجبي وذهبت بي الظنون والخواطر كل مذهب فعزمت على أن أرصدها وأحرسها وأتثبت في أمري وأتعرف شأني فإذا هي بعد أن رامت الخندق فامتنع عليها تركته جانبا وصعدت في الحائط ثم مرت على جذع السقف فلما صارت محاذية للسلة أرسلت نفسها فقلت في نفسي انظر كيف اهتدت إلى هذه الحيلة ولم تعلم أنها تبقى محصورة.
  ثم قلت وما عليها أن تبقى محصورة بل أي حصار على ذرة وقد وجدت ما تشتهي.
  قال أبو عثمان ومن أعاجيب الذرة أنها لا تعرض لجعل ولا لجرادة ولا لخنفساء ولا لبنت وردان ما لم يكن بها حبل أو عقر أو قطع رجل أو يد فإن وجدت بها من ذلك أدنى علة وثبت عليها حتى لو أن حية بها ضربة أو خرق أو خدش ثم كانت من