فصل في ذكر أحوال الذرة وعجائب النملة
  رأيناها راجعة إلا رأينا معها مثل ذلك وإن كنا لا نفصل في مرأى العين بينها وبين أخواتها فإنه ليس يقع في القلب غير الذي قلنا فدلنا ذلك على أنها في رجوعها عن الجرادة أنها إنما كانت لأشباهها كالرائد الذي لا يكذب أهله قال أبو عثمان ولا ينكر قولنا إن الذرة توحي إلى أخواتها بما أشرنا إليه إلا من يكذب القرآن فإنه تعالى قال في قصة سليمان {قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ١٨ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا}[النمل: ١٨ - ١٩] فهل بعد هذا ريب أو شك في أن لها قولا وبيانا وتمييزا.
  فإن قلت فلعلها مكلفة ومأمورة ومنهية ومطيعة وعاصية قيل هذا سؤال جاهل وذلك أنه لا يلزم أن يكون كل ذي حس وتمييز مكلفا مأمورا منهيا مطيعا عاصيا لأن الإنسان غير البالغ الحلم قد يحفظ القرآن وكثيرا من الآثار وضروبا من الأخبار ويشتري ويبيع ويخدع الرجال ويسخر بالمعلمين وهو غير مكلف ولا مأمور ولا منهي ولا عاص ولا مطيع فلا يلزم مما قلناه في الذرة أن تكون مكلفة.
  قال أبو عثمان ومن عجيب ما سمعته من أمر النملة ما حدثني به بعض المهندسين عن رجل معروف بصنعة الأسطرلابات أنه أخرج طوقا من صفر أو قال من حديد من الكير وقد أحماه فرمى به على الأرض ليبرد فاشتمل الطوق على نملة فأرادت أن تنفر يمنة فلقيها وهج النار فأخذت يسرة فلقيها وهج النار فمضت قدما فكذاك فرجعت إلى خلفها فكذلك فرجعت إلى وسط الدائرة فوجدها قد ماتت في موضع رجل البركار من الدائرة وهذا من العجائب.
  قال أبو عثمان وحدثني أبو عبيد الله الأفوه وما كنت أقدم عليه في زمانه من مشايخ