شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

فصل في ذكر أحوال الذرة وعجائب النملة

صفحة 62 - الجزء 13

  قال أبو عثمان ومن الحيوان أجناس يشبه الإنسان في العقل والروية والنظر في العواقب والفكر في الأمور مثل النمل والذر والفأر والجرذان والعنكبوت والنحل إلا أن النحل لا يدخر من الطعم إلا جنسا واحدا وهو العسل.

  قال وزعم البقطري أنك لو أدخلت نملة في جحر ذر لأكلتها حتى تأتي على عامتها وذكر أنه قد جرب ذلك.

  قال وزعم صاحب المنطق أن الضبع تأكل النمل أكلا ذريعا لأنها تأتي قرية النمل وقت اجتماع النمل على باب القرية فتلحس ذلك النمل كله بلسانها بشهوة شديدة وإرادة قوية.

  قال وربما أفسدت الأرضة على أهل القرى منازلهم وأكلت كل شيء لهم فلا تزال كذلك حتى ينشأ في تلك القرى النمل فيسلط الله ø ذلك النمل على تلك الأرضة حتى تأتي على آخرها على أن النمل بعد ذلك سيكون له أذى إلا أنه دون أذى الأرضة بعيدا وما أكثر ما يذهب النمل أيضا من تلك القرى حتى يتم لأهلها السلامة من النوعين جميعا.

  قال وقد زعم بعضهم أن تلك الأرضة بأعيانها تستحيل نملا وليس فناؤها لأكل النمل لها ولكن الأرضة نفسها تستحيل نملا فعلى قدر ما يستحيل منها يرى الناس النقصان في عددها ومضرتها على الأيام.

  قال أبو عثمان وكان ثمامة يرى أن الذر صغار النمل ونحن نراه نوعا آخر كالبقر والجواميس.

  قال ومن أسباب هلاك النمل نبات أجنحته وقال الشاعر:

  وإذا استوت للنمل أجنحة ... حتى يطير فقد دنا عطبه