شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

232 - ومن خطبة له # في التوحيد

صفحة 93 - الجزء 13

  قال ولم يؤده أي لم يثقله.

  ثم ذكر أنه تعالى لم يخلق الدنيا ليشد بها سلطانه ولا لخوفه من زوال أو نقص يلحقه ولا ليستعين بها على ند مماثل له أو يحترز بها عن ضد محارب له أو ليزداد بها ملكه ملكا أو ليكاثر بها شريكا في شركته له أو لأنه كان قبل خلقها مستوحشا فأراد أن يستأنس بمن خلق.

  ثم ذكر أنه تعالى سيفنيها بعد إيجادها لا لضجر لحقه في تدبيرها ولا لراحة تصله في إعدامها ولا لثقل شيء منها عليه حال وجودها ولا لملل أصابه فبعثه على إعدامها.

  ثم عاد # فقال إنه سبحانه سيعيدها إلى الوجود بعد الفناء لا لحاجة إليها ولا ليستعين ببعضها على بعض ولا لأنه استوحش حال عدمها فأحب أن يستأنس بإعادتها ولا لأنه فقد علما عند إعدامها فأراد بإعادتها استجداد ذلك العلم ولا لأنه صار فقيرا عند إعدامها فأحب أن يتكثر ويثري بإعادتها ولا لذل أصابه بإفنائها فأراد العز بإعادتها.

  فإن قلت إذا كان يفنيها لا لكذا ولا لكذا وكان من قبل أوجدها لا لكذا ولا لكذا ثم قلتم إنه يعيدها لا لكذا ولا لكذا فلأي حال أوجدها أولا ولأي حال أفناها ثانيا ولأي حال أعادها ثالثا خبرونا عن ذلك فإنكم قد حكيتم عنه # الحكم ولم تحكوا عنه العلة قلت إنما أوجدها أولا للإحسان إلى البشر ليعرفوه فإنه لو لم يوجدهم لبقي مجهولا لا يعرف ثم كلف البشر ليعرضهم للمنزلة الجليلة التي لا يمكن وصولهم إليها إلا بالتكليف وهي الثواب ثم يفنيهم لأنه لا بد من انقطاع التكليف ليخلص الثواب من مشاق التكاليف وإذا كان لا بد من انقطاعه فلا فرق بين انقطاعه بالعدم المطلق