شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

استدلال قاضي القضاة على إمامة أبي بكر ورد المرتضى عليه

صفحة 195 - الجزء 13

  فهذه جملة ما ذكره المرتضى | في هذا الموضع وأكثره جيد لا اعتراض عليه وقد كان يمكنه أن يقول لو سلمنا بكل هذا لكان ليس في قوله {لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا}⁣[التوبة: ٨٣] الآية ما يدل على أن النبي ÷ لا يكون هو الداعي لهم إلى القوم أولي البأس الشديد لأنه ليس فيها إلا محض الإخبار عنهم بأنهم لا يخرجون معه ولا يقاتلون العدو معه وليس في هذا ما ينفي كونه داعيا لهم كما

  أنه # قال أبو لهب لا يؤمن بي لم يكن هذا القول نافيا لكونه يدعوه إلى الإسلام.

  وقوله {فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ ٨٣}⁣[التوبة: ٨٣] ليس بأمر على الحقيقة وإنما هو تهديد كقوله {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ}⁣[فصلت: ٤٠] ولا بد للمرتضى ولقاضي القضاة جميعا من أن يحملا صيغة افعل على هذا المحمل لأنه ليس لأحدهما بمسوغ أن يحمل الأمر على حقيقته لأن الشارع لا يأمر بالقعود وترك الجهاد مع القدرة عليه وكونه قد تعين وجوبه.

  فإن قلت لو قدرنا أن هذه الآية وهي قوله تعالى {قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ}⁣[الفتح: ١٦] أنزلت بعد غزوة تبوك وبعد نزول سورة براءة التي تتضمن قوله تعالى {لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا}⁣[التوبة: ٨٣] وقدرنا أن قوله تعالى {لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا}⁣[التوبة: ٨٣] ليس إخبارا محضا كما تأولته أنت وحملت الآية عليه بل معناه لا أخرجكم معي ولا أشهدكم حرب العدو هل كان يتم الاستدلال قلت لا لأن للإمامية أن تقول يجوز أن يكون الداعي إلى حرب القوم أولي البأس الشديد مع تسليم هذه المقدمات كلها هو رسول الله ÷ لأنه دعاهم إلى حرب الروم في سرية أسامة بن زيد في صفر من سنة إحدى عشرة لما سيره إلى البلقاء وقال له سر إلى الروم مقتل أبيك فأوطئهم الخيول وحشد معه أكثر المسلمين فهذا الجيش قد دعي فيه المخلفون من الأعراب الذين قعدوا عن الجهاد