شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

الفصل الأول إجلاب قريش على بني هاشم وحصرهم في الشعب

صفحة 56 - الجزء 14

  قال فعند ذلك تنابذ القوم وصارت الأحقاد ونادى بعضهم بعضا وتذامروا بينهم على من في القبائل من المسلمين الذين اتبعوا محمدا ÷ فوثبت كل قبيلة على من فيها منهم يعذبونهم ويفتنونهم عن دينهم ومنع الله رسوله منهم بعمه أبي طالب وقام في بني هاشم وبني عبد المطلب حين رأى قريشا تصنع ما تصنع فدعاهم إلى ما هو عليه من منع رسول الله ÷ والقيام دونه فاجتمعوا إليه وقاموا معه وأجابوه إلى ما دعاهم إليه من الدفاع عن رسول الله ÷ إلا ما كان من أبي لهب فإنه لم يجتمع معهم على ذلك فكان أبو طالب يرسل إليه الأشعار ويناشده النصر منها القطعة التي أولها:

  حديث عن أبي لهب أتانا ... وكانفه على ذاكم رجال

  ومنها القطعة التي أولها:

  أظننت عني قد خذلت وغالني ... منك الغوائل بعد شيب المكبر

  ومنها القطعة التي أولها:

  تستعرض الأقوام توسعهم ... عذرا وما إن قلت من عذر

  قال محمد بن إسحاق فلم يؤثر عن أبي لهب خير قط إلا ما يروى أن أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي لما وثب عليه قومه ليعذبوه ويفتنوه عن الإسلام هرب منهم فاستجار بأبي طالب وأم أبي طالب مخزومية وهي أم عبد الله والد رسول الله ÷ فأجاره فمشى إليه رجال من بني مخزوم وقالوا له يا أبا طالب هبك منعت منا ابن أخيك محمدا فما لك ولصاحبنا تمنعه منا قال إنه استجار بي وهو ابن أختي وإن أنا لم أمنع ابن أختي لم أمنع ابن أخي فارتفعت أصواتهم وأصواته فقام أبو لهب ولم ينصر أبا طالب قبلها ولا بعدها فقال يا معشر قريش والله لقد أكثرتم على هذا