شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

بعض ما قيل من الشعر في الدهر وفعله بالإنسان

صفحة 87 - الجزء 16

  وَ لَمْ يَمْنَعْكَ إِنْ أَسَأْتَ مِنَ اَلتَّوْبَةِ وَلَمْ يُعَاجِلْكَ بِالنِّقْمَةِ وَلَمْ يُعَيِّرْكَ بِالْإِنَابَةِ وَلَمْ يَفْضَحْكَ حَيْثُ تَعَرَّضْتَ لِلْفَضِيحَةِ اَلْفَضِيحَةُ بِكَ أَوْلَى وَلَمْ يُشَدِّدْ عَلَيْكَ فِي قَبُولِ اَلْإِنَابَةِ وَلَمْ يُنَاقِشْكَ بِالْجَرِيمَةِ وَلَمْ يُؤْيِسْكَ مِنَ اَلرَّحْمَةِ بَلْ جَعَلَ نُزُوعَكَ عَنِ اَلذَّنْبِ حَسَنَةً وَحَسَبَ سَيِّئَتَكَ وَاحِدَةً وَحَسَبَ حَسَنَتَكَ عَشْراً وَفَتَحَ لَكَ بَابَ اَلْمَتَابِ وَبَابَ اَلاِسْتِعْتَابِ فَإِذَا نَادَيْتَهُ سَمِعَ نِدَاكَ وَإِذَا نَاجَيْتَهُ عَلِمَ نَجْوَاكَ فَأَفْضَيْتَ إِلَيْهِ بِحَاجَتِكَ وَأَبْثَثْتَهُ ذَاتَ نَفْسِكَ وَشَكَوْتَ إِلَيْهِ هُمُومَكَ وَاِسْتَكْشَفْتَهُ كُرُوبَكَ وَاِسْتَعَنْتَهُ عَلَى أُمُورِكَ وَسَأَلْتَهُ مِنْ خَزَائِنِ رَحْمَتِهِ مَا لاَ يَقْدِرُ عَلَى إِعْطَائِهِ غَيْرُهُ مِنْ زِيَادَةِ اَلْأَعْمَارِ وَصِحَّةِ اَلْأَبْدَانِ وَسَعَةِ اَلْأَرْزَاقِ ثُمَّ جَعَلَ فِي يَدَيْكَ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِهِ بِمَا أَذِنَ لَكَ فِيهِ مِنْ مَسْأَلَتِهِ فَمَتَى شِئْتَ اِسْتَفْتَحْتَ بِالدُّعَاءِ أَبْوَابَ نِعْمَتِهِ وَاِسْتَمْطَرْتَ شَآبِيبَ رَحْمَتِهِ فَلاَ يُقْنِطَنَّكَ يُقَنِّطَنَّكَ إِبْطَاءُ إِجَابَتِهِ فَإِنَّ اَلْعَطِيَّةَ عَلَى قَدْرِ اَلنِّيَّةِ وَرُبَّمَا أُخِّرَتْ عَنْكَ اَلْإِجَابَةُ لِيَكُونَ ذَلِكَ أَعْظَمَ لِأَجْرِ اَلسَّائِلِ وَأَجْزَلَ لِعَطَاءِ اَلآْمِلِ وَرُبَّمَا سَأَلْتَ اَلشَّيْ ءَ فَلاَ تُعْطَاهُ تُؤْتَاهُ وَأُوتِيتَ خَيْراً مِنْهُ عَاجِلاً أَوْ آجِلاً أَوْ صُرِفَ عَنْكَ لِمَا هُوَ خَيْرٌ لَكَ فَلَرُبَّ أَمْرٍ قَدْ طَلَبْتَهُ فِيهِ هَلاَكُ دِينِكَ لَوْ أُوتِيتَهُ فَلْتَكُنْ مَسْأَلَتُكَ فِيمَا يَبْقَى لَكَ جَمَالُهُ وَيُنْفَى عَنْكَ وَبَالُهُ فَالْمَالُ لاَ يَبْقَى لَكَ وَلاَ تَبْقَى لَهُ قد تقدم القول في الدعاء.

  قوله بل جعل نزوعك عن الذنب حسنة هذا متفق عليه بين أصحابنا وهو أن تارك القبيح لأنه قبيح يستحق الثواب.