شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

فصل في النهي عن سماع السعاية وما ورد ذلك من الآثار

صفحة 49 - الجزء 17

  وَ اَلْكُتَّابِ لِمَا يُحْكِمُونَ مِنَ اَلْمَعَاقِدِ وَيَجْمَعُونَ مِنَ اَلْمَنَافِعِ وَيُؤْتَمَنُونَ عَلَيْهِ مِنْ خَوَاصِّ اَلْأُمُورِ وَعَوَامِّهَا وَلاَ قِوَامَ لَهُمْ جَمِيعاً إِلاَّ بِالتُّجَّارِ وَذَوِي اَلصِّنَاعَاتِ فِيمَا يَجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ مِنْ مَرَافِقِهِمْ وَيُقِيمُونَهُ مِنْ أَسْوَاقِهِمْ وَيَكْفُونَهُمْ مِنَ اَلتَّرَفُّقِ بِأَيْدِيهِمْ مِمَّا مَا لاَ يَبْلُغُهُ رِفْقُ غَيْرِهِمْ ثُمَّ اَلطَّبَقَةُ اَلسُّفْلَى مِنْ أَهْلِ اَلْحَاجَةِ وَاَلْمَسْكَنَةِ اَلَّذِينَ يَحِقُّ رِفْدُهُمْ وَمَعُونَتُهُمْ وَفِي اَللَّهِ لِكُلٍّ سَعَةٌ وَلِكُلٍّ عَلَى اَلْوَالِي حَقٌّ بِقَدْرِ مَا يُصْلِحُهُ وَلَيْسَ يَخْرُجُ اَلْوَالِي مِنْ حَقِيقَةِ مَا أَلْزَمَهُ اَللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ إِلاَّ بِالاِهْتِمَامِ وَاَلاِسْتِعَانَةِ بِاللَّهِ وَتَوْطِينِ نَفْسِهِ عَلَى لُزُومِ اَلْحَقِّ وَاَلصَّبْرِ عَلَيْهِ فِيمَا خَفَّ عَلَيْهِ أَوْ ثَقُلَ قالت الحكماء الإنسان مدني بالطبع ومعناه أنه خلق خلقة لا بد معها من أن يكون منضما إلى أشخاص من بني جنسه ومتمدنا في مكان بعينه وليس المراد بالمتمدن ساكن المدينة ذات السور والسوق بل لا بد أن يقيم في موضع ما مع قوم من البشر وذلك لأن الإنسان مضطر إلى ما يأكله ويشربه ليقيم صورته ومضطر إلى ما يلبسه ليدفع عنه أذى الحر والبرد وإلى مسكن يسكنه ليرد عنه عادية غيره من الحيوانات وليكون منزلا له ليتمكن من التصرف والحركة عليه ومعلوم أن الإنسان وحده لا يستقل بالأمور التي عددناها بل لا بد من جماعة يحرث بعضهم لغيره الحرث وذلك الغير يحوك للحراث الثوب وذلك الحائك يبني له غيره المسكن وذلك البناء يحمل له