شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

فصل في النهي عن سماع السعاية وما ورد ذلك من الآثار

صفحة 48 - الجزء 17

  المنصور ذلك ثم نهاه عن نقض السنن الصالحة التي قد عمل بها من قبله من صالحي الأمة فيكون الوزر عليه بما نقض والأجر لأولئك بما أسسوا ثم أمره بمطارحة العلماء والحكماء في مصالح عمله فإن المشورة بركة ومن استشار فقد أضاف عقلا إلى عقله.

  ومما جاء في معنى الأول قال رجل لإياس بن معاوية من أحب الناس إليك قال الذين يعطوني قال ثم من قال الذين أعطيهم.

  وقال رجل لهشام بن عبد الملك إن الله جعل العطاء محبة والمنع مبغضة فأعني على حبك ولا تعني في بغضك: وَاِعْلَمْ أَنَّ اَلرَّعِيَّةَ طَبَقَاتٌ لاَ يَصْلُحُ بَعْضُهَا إِلاَّ بِبَعْضٍ وَلاَ غِنَى بِبَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ فَمِنْهَا جُنُودُ اَللَّهِ وَمِنْهَا كُتَّابُ اَلْعَامَّةِ وَاَلْخَاصَّةِ وَمِنْهَا قُضَاةُ اَلْعَدْلِ وَمِنْهَا عُمَّالُ اَلْإِنْصَافِ وَاَلرِّفْقِ وَمِنْهَا أَهْلُ اَلْجِزْيَةِ وَاَلْخَرَاجِ مِنْ أَهْلِ اَلذِّمَّةِ وَمُسْلِمَةِ اَلنَّاسِ وَمِنْهَا اَلتُّجَّارُ وَأَهْلُ اَلصِّنَاعَاتِ وَمِنْهَا اَلطَّبَقَةُ اَلسُّفْلَى مِنْ ذَوِي اَلْحَاجَاتِ وَاَلْمَسْكَنَةِ وَكُلٌّ قَدْ سَمَّى اَللَّهُ لَهُ سَهْمَهُ وَوَضَعَ عَلَى حَدِّهِ وَفَرِيضَتِهِ فَرِيضَةً فِي كِتَابِهِ أَوْ سُنَّةِ نَبِيِّهِ ÷ عَهْداً مِنْهُ عِنْدَنَا مَحْفُوظاً فَالْجُنُودُ بِإِذْنِ اَللَّهِ حُصُونُ اَلرَّعِيَّةِ وَزَيْنُ اَلْوُلاَةِ وَعِزُّ اَلدِّينِ وَسُبُلُ اَلْأَمْنِ وَلَيْسَ تَقُومُ اَلرَّعِيَّةُ إِلاَّ بِهِمْ ثُمَّ لاَ قِوَامَ لِلْجُنُودِ إِلاَّ بِمَا يُخْرِجُ اَللَّهُ لَهُمْ مِنَ اَلْخَرَاجِ اَلَّذِي يَقْوَوْنَ بِهِ عَلَى جِهَادِ عَدُوِّهِمْ وَيَعْتَمِدُونَ عَلَيْهِ فِيمَا يُصْلِحُهُمْ وَيَكُونُ مِنْ وَرَاءِ حَاجَتِهِمْ ثُمَّ لاَ قِوَامَ لِهَذَيْنِ اَلصِّنْفَيْنِ إِلاَّ بِالصِّنْفِ اَلثَّالِثِ مِنَ اَلْقُضَاةِ وَاَلْعُمَّالِ