شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

الطعن الأول

صفحة 160 - الجزء 17

  أن ما أخلصتم لله من أعمالكم فلطاعة أتيتموها وحظ ظفرتم به وضرائب أديتموها وسلف قدمتموه من أيام فانية لأخرى باقية لحين فقركم وحاجتكم فاعتبروا عباد الله بمن مات منكم وتفكروا فيمن كان قبلكم أين كانوا أمس وأين هم اليوم أين الجبارون أين الذين كان لهم ذكر القتال والغلبة في مواطن الحرب قد تضعضع بهم الدهر وصاروا رميما قد تركت عليهم القالات الخبيثات وإنما الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات وأين الملوك الذين أثاروا الأرض وعمروها قد بعدوا بسيئ ذكرهم وبقي ذكرهم وصاروا كلا شيء ألا إن الله قد أبقى عليهم التبعات وقطع عنهم الشهوات ومضوا والأعمال أعمالهم والدنيا دنيا غيرهم وبقينا خلفا من بعدهم فإن نحن اعتبرنا بهم نجونا وإن اغتررنا كنا مثلهم أين الوضاء الحسنة وجوههم المعجبون بشبابهم صاروا ترابا وصار ما فرطوا فيه حسرة عليهم أين الذين بنوا المدائن وحصنوها بالحوائط وجعلوا فيها العجائب وتركوها لمن خلفهم فتلك مساكنهم خاوية وهم في ظلم القبور {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا ٩٨}⁣[مريم: ٩٨] أين من تعرفون من آبائكم وإخوانكم قد انتهت بهم آجالهم فوردوا على ما قدموا عليه وأقاموا للشقوة وللسعادة إلا إن الله لا شريك له ليس بينه وبين أحد من خلقه سبب يعطيه به خيرا ولا يصرف عنه به شرا إلا بطاعته واتباع أمره واعلموا أنكم عباد مدينون وأن ما عنده لا يدرك إلا بتقواه وعبادته ألا وإنه لا خير بخير بعده النار ولا شر بشر بعد الجنة.

  فهذه خطبتا أبي بكر يوم السقيفة واليوم الذي يليه إنما قال إن لي شيطانا يعتريني وأراد بالشيطان الغضب ولم يرد أن له شيطانا من مردة الجن يعتريه إذا