شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

استطراد بلاغي في الكلام على الاستدراج

صفحة 170 - الجزء 2

  قال الزبير بن بكار هذا الحديث كان يرويه عمي مصعب ثم تركه وقال إني رأيت جدي أبا عبد الله الزبير بن العوام في المنام وهو يعتذر من يوم الجمل فقلت له كيف تعتذر منه وأنت القائل:

  علقتهم أني خلقت عصبه ... قتادة تعلقت بنشبه

  لن أدعهم حتى أؤلف بينهم فقال لم أقله.

استطراد بلاغي في الكلام على الاستدراج

  واعلم أن في علم البيان بابا يسمى باب الخداع والاستدراج يناسب ما يذكره فيه علماء البيان قول أمير المؤمنين # يقول لك ابن خالك عرفتني بالحجاز وأنكرتني بالعراق.

  قالوا ومن ذلك قول الله تعالى حكاية عن مؤمن آل فرعون {وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ ٢٨}⁣[غافر: ٢٨] فإنه أخذ معهم في الاحتجاج بطريق التقسيم فقال هذا الرجل إما أن يكون كاذبا فكذبه يعود عليه ولا يتعداه وإما أن يكون صادقا فيصيبكم بعض ما يعدكم به ولم يقل كل ما يعدكم به مخادعة لهم وتلطفا واستمالة لقلوبهم كي لا ينفروا منه لو أغلظ في القول وأظهر لهم أنه يهضمه بعض حقه.

  وكذلك تقديم قسم الكذب على قسم الصدق كأنه رشاهم ذلك وجعله برطيلا لهم ليطمئنوا إلى نصحه.