شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

الطعن الرابع

صفحة 191 - الجزء 17

  وإن وقف تصرفه على اختياره وصار ذلك عندهم بمنزلة أن يختار المسلمون واحدا يحكم بينهم ثم يموت من رضي بذلك فإن تصرفه يبقى على ما كان عليه وقال قوم من أصحابنا ينعزل وإن هذا النوع من التصرف لا يستفاد إلا من جهة الإمام ولا يقوم به غيره وإذا ثبت أن أسامة قد بطلت ولايته لم تبق تبعة على أبي بكر في الرجوع من بعض الطريق إلى المدينة.

  وخامسها أن أمير المؤمنين ولى أبا موسى الحكم وولى رسول الله ÷ خالد بن الوليد السرية إلى الغميصاء وهذا الكلام إنما ذكره قاضي القضاة تتمة لقوله إن أمره # بنفوذ بعث أسامة كان مشروطا بالمصلحة قال كما أن توليته # أبا موسى كانت مشروطة باتباع القرآن وكما أن تولية رسول الله ÷ خالد بن الوليد كانت مشروطة بأن يعمل بما أوصاه به فخالفا ولم يعملا الحق فإذا كانت هذه الأوامر مشروطة فكذلك أمره جيش أسامة بالنفوذ كان مشروطا بالمصلحة وألا يعرض ما يقتضي رجوع الجيش أو بعضه إلى المدينة وقد سبق القول في كون الأمر مشروطا.

  وسادسها أن أبا بكر كان محتاجا إلى مقام عمر عنده ليعاضده ويقوم في تمهيد أمر الإمامة ما لا يقوم به غيره فكان ذلك أصلح في باب الدين من مسيره مع الجيش فجاز أن يحبسه عنده لذلك وهذا الوجه مختص بمن قال إن أبا بكر لم يكن في الجيش وإيضاح عذره في حبس عمر عن النفوذ مع الجيش.