شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

الطعن الرابع

صفحة 194 - الجزء 17

  ولقائل أن يقول إن الملوك قد يؤمرون الأمراء على الجيوش لوجهين أحدهما أن يقصد الملك بتأمير ذلك الشخص أن يسوس الجيش ويدبره بفضل رأيه وشيخوخته وقديم تجربته وما عرف من يمن نقيبته في الحرب وقود العساكر والثاني أن يؤمر على الجيش غلاما حدثا من غلمانه أو من ولده أو من أهله ويأمر الأكابر من الجيش أن يثقفوه ويعلموه ويأمره أن يتدبر بتدبيرهم ويرجع إلى رأيهم ويكون قصد الملك من ذلك تخريج ذلك الغلام وتمرينه على الإمارة وأن يثبت له في نفوس الناس منزلة وأن يرشحه لجلائل الأمور ومعاظم الشئون ففي الوجه الأول يقبح تقديم المفضول على الفاضل وفي الوجه الثاني لا يقبح فلم لا يجوز أن يكون تأمير أسامة عليهما من قبيل الوجه الثاني والحال يشهد لذلك لأن أسامة كان غلاما لم يبلغ ثماني عشرة سنة حين قبض النبي ÷ فمن أين حصل له من تجربة الحرب وممارسة الوقائع وقود الجيش ما يكون به أعرف بالإمرة من أبي بكر وعمر وأبي عبيدة وسعد بن أبي وقاص وغيرهم.

  ومنها قول قاضي القضاة إن السبب في كون عمر في الجيش أنه أنكر على عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة تسخطه إمرة أسامة وقال أنا أخرج في جيش أسامة فخرج من تلقاء نفسه تعظيما لأمر رسول الله ÷ وقد اعترضه المرتضى فقال هذا شيء لم نسمعه من راو ولا قرأناه في كتاب وصدق المرتضى فيما قال فإن هذا حديث غريب لا يعرف.

  وأما قول عمر دعني أضرب عنقه فقد نافق فمنقول مشهور لا محالة وإنما الغريب الذي لم يعرف كون عمر خرج من تلقاء نفسه في الجيش مراغمة لعبد الله بن عياش بن أبي ربيعة حيث أنكر ما أنكر ولعل قاضي القضاة سمعه من راو أو نقله من كتاب إلا أنا نحن ما وقفنا على ذلك