شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

مناقب علي وذكر طرف من أخباره في عدله وزهده

صفحة 198 - الجزء 2

  أما ما ذكرت من عملنا وسيرتنا بالعدل فإن الله ø يقول {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ٤٦}⁣[فصلت: ٤٦] وأنا من أن أكون مقصرا فيما ذكرت أخوف وأما ما ذكرت من أن الحق ثقل عليهم ففارقونا لذلك فقد علم الله أنهم لم يفارقونا من جور ولا لجئوا إذ فارقونا إلى عدل ولم يلتمسوا إلا دنيا زائلة عنهم كأن قد فارقوها وليسألن يوم القيامة أللدنيا أرادوا أم لله عملوا وأما ما ذكرت من بذل الأموال واصطناع الرجال فإنه لا يسعنا أن نؤتي امرأ من الفيء أكثر من حقه وقد قال الله سبحانه وتعالى وقوله الحق {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ٢٤٩}⁣[البقرة: ٢٤٩] وقد بعث الله محمدا ÷ وحده فكثره بعد القلة وأعز فئته بعد الذلة وإن يرد الله أن يولينا هذا الأمر يذلل لنا صعبه ويسهل لنا حزنه وأنا قابل من رأيك ما كان لله ø رضا وأنت من آمن الناس عندي وأنصحهم لي وأوثقهم في نفسي إن شاء الله.

  وذكر الشعبي قال دخلت الرحبة بالكوفة وأنا غلام في غلمان فإذا أنا بعلي # قائما على صبرتين من ذهب وفضة ومعه مخفقة وهو يطرد الناس بمخفقته ثم يرجع إلى المال فيقسمه بين الناس حتى لم يبق منه شيء ثم انصرف ولم يحمل إلى بيته قليلا ولا كثيرا فرجعت إلى أبي فقلت له لقد رأيت اليوم خير الناس أو أحمق الناس قال من هو يا بني قلت علي بن أبي طالب أمير المؤمنين رأيته يصنع كذا فقصصت عليه فبكى وقال يا بني بل رأيت خير الناس.