شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

سعة الصدر وما ورد في ذلك من حكايات

صفحة 415 - الجزء 18

  ١٨٤ - مَنْ لَمْ يُنْجِهِ اَلصَّبْرُ أَهْلَكَهُ اَلْجَزَعُ قد تقدم لنا قول شاف في الصبر والجزع.

  وكان يقال ما أحسن الصبر لو لا أن النفقة عليه من العمر أخذه شاعر فقال:

  وإني لأدري أن في الصبر راحة ... ولكن إنفاقي على الصبر من عمري

  وقال ابن أبي العلاء يستبطئ بعض الرؤساء:

  فإن قيل لي صبرا فلا صبر للذي ... غدا بيد الأيام تقتله صبرا

  وإن قيل لي عذرا فو الله ما أرى ... لمن ملك الدنيا إذا لم يجد عذرا

  فإن قلت أي فائدة في قوله # من لم ينجه الصبر أهلكه الجزع وهل هذا إلا كقول من قال من لم يجد ما يأكل ضرة الجوع.

  قلت لو كانت الجهة واحدة لكان الكلام عبثا إلا أن الجهة مختلفة لأن معنى كلامه # من لم يخلصه الصبر من هموم الدنيا وغمومها هلك من الله تعالى في الآخرة بما يستبدله من الصبر بالجزع وذلك لأنه إذا لم يصبر فلا شك أنه يجزع وكل جازع آثم والإثم مهلكة فلما اختلفت الجهة وكانت تارة للدنيا وتارة للآخرة لم يكن الكلام عبثا بل كان مفيدا