شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

1 - فمن خطبة له # يذكر فيها ابتداء خلق السماء والأرض وخلق آدم

صفحة 66 - الجزء 1

  وجوه فروع نعمائه وكذلك في كون الآية واردة بلفظة إن الشرطية، وكلام أمير المؤمنين # على صيغة الخبر تحته لطيفة عجيبة؛ لأنه سبحانه يريد أنكم إن أردتم أن تعدوا نعمه لم تقدروا على حصرها، وعلي # أخبر أنه قد أنعم النظر فعلم أن أحدا لا يمكنه حصر نعمه تعالى.

  ولقائل أن يقول الصحيح أن المفهوم من قوله: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ}⁣[إبراهيم: ٣٤] الجنس كما يقول القائل أنا لا أجحد إحسانك إلى وامتنانك علي، ولا يقصد بذلك إحسانا واحدا بل جنس الإحسان.

  وما ذكره من الفرق بين كلام البارئ وكلام أمير المؤمنين # غير بين، فإنه لو قال تعالى: وإن تعدوا نعم الله، وقال: # ولا يحصي نعمته العادون، لكان كل واحد منهما سادا مسد الآخر.

  أما اللطيفة الثانية فغير ظاهرة أيضا ولا مليحة؛ لأنه لو انعكس الأمر فكان القرآن بصيغة الخبر وكلام علي # بصيغة الشرط لكان مناسبا أيضا حسب مناسبته، والحال بعكس ذلك اللهم إلا أن تكون قرينة السجعة من كلام علي # تنبو عن لفظة الشرط، وإلا فمتى حذفت القرينة السجعية عن وهمك لم تجد فرقا، ونحن نعوذ بالله من التعسف والتعجرف الداعي إلى ارتكاب هذه الدعاوي المنكرة.

  ثم قال الراوندي: إنه لو قال أمير المؤمنين # الذي لا يعد نعمه الحاسبون، لم تحصل المبالغة التي أرادها بعبارته؛ لأن اشتقاق الحساب من الحسبان، وهو الظن قال: وأما اشتقاق العدد فمن العد وهو الماء الذي له مادة والإحصاء الإطاقة أحصيته، أي أطقته فتقدير الكلام لا يطيق عد نعمائه العادون ومعنى ذلك