1 - فمن خطبة له # يذكر فيها ابتداء خلق السماء والأرض وخلق آدم
  الملائكة لا مطابقة ولا تضمنا ولا التزاما، وأي حاجة إلى هذا التقدير الطريف الذي لا يشعر الكلام به ومراده # وهو أن نعمه جلت لكثرتها أن يحصيها عاد ما هو نفي لمطلق العادين من غير تعرض لعاد مخصوص.
  قال الراوندي: فأما قوله لا يدركه بعد الهمم، فالإدراك هو الرؤية والنيل والإصابة، ومعنى الكلام الحمد لله الذي ليس بجسم ولا عرض إذ لو كان أحدهما لرآه الراءون إذا أصابوه وإنما خص بعد الهمم بإسناد نفي الإدراك، وغوص الفطن بإسناد نفي النيل لغرض صحيح، وذلك أن الثنوية يقولون بقدم النور والظلمة ويثبتون النور جهة العلو والظلمة جهة السفل ويقولون إن العالم ممتزج منهما فرد # عليهم بما معناه أن النور والظلمة جسمان والأجسام محدثة والبارئ تعالى قديم.
  ولقائل أن يقول إنه لم يجر للرؤية ذكر في الكلام؛ لأنه # لم يقل الذي لا تدركه العيون ولا الحواس، وإنما قال لا يدركه بعد الهمم، وهذا يدل على أنه إنما أراد أن العقول لا تحيط بكنهه وحقيقته.
  وأيضا فلو سلمنا أنه إنما نفى الرؤية لكان لمحاج أن يحاجه فيقول له: هب أن الأمر كما تزعم، ألست تريد بيان الأمر الذي لأجله خصص بعد الهمم بنفي الإدراك وخصص غوص الفطن بنفي النيل، وقلت إنما قسم هذا التقسيم لغرض صحيح وما رأيناك أوضحت هذا الغرض وإنما حكيت مذهب الثنوية وليس يدل مذهبهم على وجوب تخصيص بعد الهمم بنفي الإدراك دون نفي النيل، ولا يوجب تخصيص غوص الفطن