شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

1 - فمن خطبة له # يذكر فيها ابتداء خلق السماء والأرض وخلق آدم

صفحة 69 - الجزء 1

  بنفي النيل دون نفي الإدراك، وأكثر ما في حكاية مذهبهم أنهم يزعمون أن إلهي العالم النور والظلمة وهما جسمان، وأمير المؤمنين # يقول: لو كان صانع العالم جسما لرئي وحيث لم ير لم يكن جسما، أي شيء في هذا مما يدل على وجوب ذلك التقسيم والتخصيص الذي زعمت أنه إنما خصصه وقسمه لغرض صحيح.

  ثم قال الراوندي: ويجوز أن يقال البعد والغوص مصدران هاهنا بمعنى الفاعل كقولهم فلأن عدل أي عادل وقوله تعالى: {إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا}⁣[الملك: ٣٠]، أي غائرا فيكون المعنى لا يدركه العالم البعيد الهمم فكيف الجاهل ويكون المقصد بذلك الرد على من قال: إن محمدا ÷ رأى ربه ليلة الإسراء، وإن يونس # رأى ربه ليلة هبوطه إلى قعر البحر.

  ولقائل أن يقول أن المصدر الذي جاء بمعنى الفاعل ألفاظ معدودة لا يجوز القياس عليها، ولو جاز لما كان المصدر هاهنا بمعنى الفاعل؛ لأنه مصدر مضاف والمصدر المضاف لا يكون بمعنى الفاعل، ولو جاز أن يكون المصدر المضاف بمعنى الفاعل لم يجز أن يحمل كلامه # على الرد على من أثبت أن البارئ سبحانه مرئي؛ لأنه ليس في الكلام نفي الرؤية أصلا وإنما غرض الكلام نفي معقوليته سبحانه وأن الأفكار والأنظار لا تحيط بكنهه ولا تتعقل خصوصية ذاته جلت عظمته.

  ثم قال الراوندي: فأما قوله الذي ليس لصفته حد محدود ولا نعت موجود ولا وقت معدود ولا أجل ممدود، فالوقت تحرك الفلك ودورانه على وجه والأجل: