شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

مفارقة جرير بن عبد الله البجلي لعلي

صفحة 116 - الجزء 3

  إلى علي # كثر قول الناس في التهمة لجرير في أمر معاوية، فاجتمع جرير والأشتر عند علي #، فقال الأشتر: أما والله يا أمير المؤمنين، أن لو كنت أرسلتني إلى معاوية لكنت خيرا لك من هذا الذي أرخى خناقه، وأقام عنده حتى لم يدع بابا يرجو فتحه إلا فتحه، ولا بابا يخاف أمره إلا سده.

  فقال جرير: لو كنت والله أتيتهم لقتلوك وخوفه بعمرو، وذي الكلاع، وحوشب، وقال: إنهم يزعمون أنك من قتلة عثمان.

  فقال الأشتر: والله، لو أتيتهم يا جرير لم يعيني جوابها، ولم يثقل علي محملها، ولحملت معاوية على خطة أعجله فيها عن الفكر.

  قال: فائتهم إذا.

  قال: الآن، وقد أفسدتهم ووقع بينهم الشر.

  وروى نصر عن نمير بن وعلة عن الشعبي قال: اجتمع جرير والأشتر عند علي #، فقال الأشتر: أليس قد نهيتك يا أمير المؤمنين أن تبعث جريرا وأخبرتك بعداوته وغشه؟ وأقبل الأشتر يشتمه ويقول: يا أخا بجيلة، إن عثمان اشترى منك دينك بهمدان، والله ما أنت بأهل أن تترك تمشي فوق الأرض إنما أتيتهم لتتخذ عندهم يدا بمسيرك إليهم، ثم رجعت إلينا من عندهم تهددنا بهم، وأنت والله منهم، ولا أرى سعيك إلا لهم، لئن أطاعني فيك أمير المؤمنين ليحبسنك وأشباهك في حبس لا تخرجون منه حتى تستتم هذه الأمور، ويهلك الله الظالمين.

  قال جرير: وددت والله أن لو كنت مكاني بعثت إذن والله لم ترجع.