شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

أخبار علي في جيشه وهو في طريقه إلى صفين

صفحة 211 - الجزء 3

  ليس بيني وبين قيس عتاب ... غير طعن الكلي وضرب الرقاب

  فقال علي #: لما أتاه هذا الجواب: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ٥٦}⁣[القصص: ٥٦] قال نصر: وقال علي # لأهل الرقة: جسروا لي جسرا أعبر عليه من هذا المكان إلى الشام، فأبوا وقد كانوا ضموا السفن إليهم فنهض من عندهم ليعبر على جسر منبج وخلف عليهم الأشتر، فقال: يا أهل هذا الحصن، إني أقسم بالله إن مضى أمير المؤمنين # ولم تجسروا له عند مدينتكم حتى يعبر منها لأجردن فيكم السيف فلأقتلن مقاتلكم، ولأخربن أرضكم، ولآخذن أموالكم.

  فلقي بعضهم بعضا فقالوا: إن الأشتر يفي بما حلف عليه، وإنما خلفه علي عندنا ليأتينا بشر، فبعثوا إليه إنا ناصبون لكم جسرا، فأقبلوا فأرسل الأشتر إلى علي # فجاء ونصبوا له الجسر فعبر الأثقال والرجال، وأمر الأشتر فوقف في ثلاثة آلاف فارس حتى لم يبق من الناس أحد إلا عبر، ثم عبر آخر الناس رجلا.

  قال نصر: وازدحمت الخيل حين عبرت فسقطت قلنسوة عبد الله بن أبي الحصين، فنزل فأخذها وركب، ثم سقطت قلنسوة عبد الله بن الحجاج فنزل فأخذها، ثم ركب، فقال لصاحبه:

  فإن يك ظن الزاجري الطير صادقا ... كما زعموا أقتل وشيكا وتقتل

  فقال عبد الله بن أبي الحصين: ما شيء أحب إلي مما ذكرت فقتلا معا يوم صفين.