شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

فصول في العلم الإلهي

صفحة 229 - الجزء 3

  ولا نفسر ذلك ولا نتأوله، وإنما نقتصر على إطلاق ما ورد به النص.

  وأثبت الأشعري اليدين صفة قائمة بالبارئ سبحانه وكذلك الوجه من غير تجسيم.

  وقالت المجسمة: إن لله تعالى يدين هما عضوان له وكذلك الوجه والعين، وأثبتوا له رجلين قد فضلتا عن عرشه وساقين يكشف عنهما يوم القيامة وقدما يضعها في جهنم فتمتلئ، وأثبتوا له ذلك معنى لا لفظا وحقيقة لا مجازا.

  فأما أحمد بن حنبل فلم يثبت عنه تشبيه ولا تجسيم أصلا، وإنما كان يقول بترك التأويل فقط، ويطلق ما أطلقه الكتاب والسنة، ولا يخوض في تأويله ويقف على قوله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ}⁣[آل عمران: ٧] وأكثر المحصلين من أصحابه على هذا القول.

  النوع الثالث: نفي الجهة عنه سبحانه، فالذي يذهب إليه المعتزلة وجمهور المحققين من المتكلمين أنه سبحانه ليس في جهة ولا مكان، وأن ذلك من توابع الجسمية أو العرضية اللاحقة بالجسمية، فإذا انتفى عنه كونه جسما وكونه عرضا لم يكن في جهة أصلا، وإلى هذا القول يذهب الفلاسفة.

  وذهبت الكرامية والحشوية إلى أن الله تعالى في جهة فوق، وإليه ذهب هشام بن الحكم، وعلي بن منصور، ويونس بن عبد الرحمن، وهشام بن سالم الجواليقي، وكثير من أهل الحديث.

  وذهب محمد بن الهيصم متكلم الكرامية إلى أنه تعالى ذات موجودة منفردة بنفسها عن سائر الموجودات، لا تحل شيئا حلول الأعراض، ولا تمازج شيئا ممازجة الأجسام