شرح نهج البلاغة،

ابن أبي الحديد (المتوفى: 656 هـ)

فصول في العلم الإلهي

صفحة 233 - الجزء 3

  وصرح ابن الهيصم في كتاب المقالات بقيام الحوادث بذات البارئ، فقال: إنه تعالى إذا أمر أو نهى أو أراد شيئا كان أمره ونهيه، وإراداته كائنة بعد أن لم تكن وهي قائمة به؛ لأن قوله منه يسمع، وكذلك إرادته منه توجد.

  قال: وليس قيام الحوادث بذاته دليلا على حدوثه، وإنما يدل على الحدوث تعاقب الأضداد التي لا يصح أن يتعطل منها، والبارئ تعالى لا تتعاقب عليه الأضداد.

  وذهب أبو البركات البغدادي صاحب المعتبر إلى أن الحوادث تقوم بذات البارئ سبحانه، وإنه لا يصح إثبات الإلهية إلا بذلك، وقال: إن المتكلمين ينزهونه عن ذلك والتنزيه عن هذا التنزيه هو الواجب.

  وذهب أصحابنا وأكثر المتكلمين إلى أن ذلك لا يصح في حق واجب الوجود، وأنه دليل على إمكان ذاته بل على حدوثها، وأجازوا مع ذلك عليه أن يتجدد له صفات يعنون الأحوال لا المعاني، نحو: كونه مدركا بعد أن لم يكن، وكقول أبي الحسين: أنه يتجدد له عالمية بما وجد وكان من قبل عالما بأنه سيوجد وإحدى هاتين الصفتين غير الأخرى.

  وقالوا: إن الصفات والأحوال قيل مفرد عن المعاني والمحال إنما هو حلول المعاني في ذاته، لا تجدد الصفات لذاته وللكلام في هذا الباب موضع هو أليق به.

  النوع السادس: في نفي اتحاده تعالى بغيره، ذهب أكثر العقلاء إلى استحالة ذلك، وذهبت اليعقوبية من النصارى إلى أن الكلمة اتحدت بعيسى، فصارت جوهرا من جوهرين أحدهما إلهي والآخر جسماني، وقد أجاز الاتحاد في نفس الأمر لا في ذات