الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[ذكر بعض استدلالات المجبرة على إثبات الصانع، وذكر ما فيه]

صفحة 99 - الجزء 1

  يقدر على أحدهما سواه. وأما الكلام فإن أراد به ذات كلام الإنسان نفسه من حيث إيجاده من العدم فلا يصح الاستدلال به على الله تعالى إلا إذا علم أن الإنسان يعجز عن إيجاده، والضرورة تدفعه، اللهم إلا أن يقال: الدلالة من حيث خلق القدرة عليه والتمكين في جعل الصوت على وجه دون وجه، كما قال تعالى: {وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ}⁣[الروم ٢٢]، فكان القياس بيان وجه الدلالة.

  وأما الطول والعرض والعمق فهي ذات الإنسان، وذات جميع الأجسام، فكيف يجعلها من أحوال الإنسان ويسردها فيما هو خاص به، مع أن الأحوال هي الصفات العارضة، ولا بأس أن في ذلك دلالة على الله تعالى، ولكن الكلام السامج المتنافر أبعد في القبول من البليغ المتناسب.

  وأما الرضا والغضب فيقال فيهما كما قيل في الكلام.

  وأما البياض والحمرة والسواد فكان حقه أن يذكر الخمسة الألوان، بأن يذكر مع ذلك الخضرة والصفرة، فإن قيل: لأجل الاختصار. قلنا: كان الأنسب بالاختصار أن يقول: «ولون» فيعمها بأخصر لفظ، وفيه من البديع ما لا يخفى، كالموازنة للألفاظ التي قبله وبعده، والإيجاز حيث ينوب اللفظ الواحد عن الخمسة الألفاظ الموضوعة للخمسة الألوان وما يتفرع منها، كالفاقع واليَقَقِ والحالك ونحوها.

  وأما استدلاله بالعلم والجهل فلا يستقيم أحدهما دليلاً على إثبات الصانع تعالى إلا إذا أُرِيدَ بالعلمِ العلمُ بالعشر الضروريات - التي هي علوم العقل - من حيث خلقها الله في المكلف، فكان يلزم ذكرها بخصوصها لا ذكر جنسها الأبعد؛ لأن جميع العلوم الدينية الأصولية والفروعية والتفسبر والحديث والفرائض والنحو واللغة ونحوها لا يثبت كونها حقاً وديناً إلا بعد معرفة الصانع تعالى والإقرار بثبوته، فكيف تُجعل دليلاً على ثبوته؟! والعلوم الدنيوية