[العالم محدث]
  كالهندسة والمساحة والصناعات والحراثات والتِّجارات ونحوها لا دلالة فيها على إثبات الصانع تعالى؛ لاشتراك الخلق فيها وهم بين مثبت للصانع وناف له.
  وأما الجهل فالاستدلال به أعجب [وأغرب](١)، وعن الصواب أعزب؛ لأنه نوعان بسيط ومركب، فالبسيط: عدم العلم بالشيء، والعدم ليس دليلاً على إثبات شيء، ويَلزَمُ منه أنَّ في جهْل مَن جهِلَ الصانعَ تعالى ونفاه سبحانه أو لم يخطر بباله نَفيٌ ولا إثبات - أنَّ في ذلك دلالةً على إثبات الصانع، فيصير كالاستدلال على وجود الغنى بوجود الفقر في شخص واحد.
  والمركب: اعتقاد المعلوم على خلاف ما هو عليه. فيصير اعتقادُ الفلاسفة أنه تعالى علة، وقولُ المجوس: إنه تعالى فاعل الخير بطبعه ولا يقدر على الشر، وقولُ المجسمة: إنه جسم - كلها ونحوها فيها دلالة على إثبات الصانع المختار، فيصير كالاستدلال بالجهل البسيط، وقد علمت بطلانه، وأنه كالاستدلال على غنى زيد بوجود الفقر فيه.
  وأما الإيمان والكفر فالاستدلال بهما على الله تعالى في نهاية البطلان، واستحالة البرهان؛ لأن الإيمان هو الغرض المقصود من الاستدلال لأجل تحصيله، فكيف يجعل ثبوته دليلاً على ثبوته، فإن الخصم الجاحد لله تعالى النافي له سبحانه يقول لهم: أنا منكر ثبوت ما أنتم مؤمنون به، فكيف يصح أن تجعلوا إيمانكم به دليلاً على ثبوته؟ ولأن الكفر إن أريد به الجهل بالله تعالى البسيط أو المركب فقد مر إبطاله، وإن أريد به ما سواه من أصناف الكفر كتكذيب الأنبياء والكتب المنزلة وعبادة الملائكة $، وكالتكذيب بالقيامة والجنة والنار والحشر، وتحليل ما حرم الله والعكس - فكل ذلك متفرع على إثبات الصانع تعالى، فكيف تُجعلُ أدلةً على إثباته تعالى؟
(١) نخ.