[فصل:] في الكلام على أهل الكبائر من هذه الأمة
  إذا عرفت ذلك فاعلم أنه لا دلالة على شيء من هذه المذاهب الأربعة أجمع، ولا برهان يخص أيها منير ألمع، كما سنسرد ما احتج به جميعهم قريباً إن شاء الله بعد إنجاز غرضنا من هذا المبحث، وإذا كان الدليل على أي هذه الأربعة الأقوال كما سيأتي.
  فنقول: بل قام الدليل القاطع على بطلان كل واحد منها بخصوصه، فاسمع هداك الله إلى الصواب، ووفقك إلى اتباع قرناء الكتاب، وأمناء هذه الأمة من نزول العذاب:
  أما الفرقة الأولى القائلون بأنه لا وعيد على مسلم، وأن كل مسلم ولو ارتكب جميع الكبائر لا عقاب عليه، بل سيدخل الجنة وينعم فيها لا محالة، فيبطله قول الله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}[آل عمران ١٤٢] {أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِءٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ}[المعارج ٣٨]، {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ}[ص ٢٨]، {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}[الجاثية ٢١].
  لا يقال: المراد بهذه الآيات عدم التسوية بين المؤمنين والكفار، ولا تعرض فيها للفساق.
  لأنا نقول: بل الآيتان الأولتان خاصتان بعصاة المسلمين؛ لأن الكفار جاحدون للنار، فلا حسبان لديهم ولا طمع عندهم في المصير إلى الجنة، والآيتان الآخرتان عامة في الكفار والفساق، والحكم عليهم الجميع بعدم مساواة المؤمنين في دخول الجنة؛ لأن الفاسق من المفسدين في الأرض الفجار، ومن الذين اجترحوا السيئات، فيدخل في تلك العمومات ونحوها من سائر الآيات البينات.