[فصل:] في الكلام على أهل الكبائر من هذه الأمة
  وأما الفرقة الثانية الذين أقروا بورود الوعيد ثم ادعوا سقوطه بالعفو والغفران من دون توبة فيبطله قول الله تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ}[الأعراف ١٦٩].
  لا يقال: سياق هذه الآية في بني إسرائيل أمة موسى #.
  لأنا نقول: لا فرق بين أهل الكبائر من أتباع الرسل $؛ لأن ما نسبة كل عاص منهم إلى الله وإلى كتابه ورسوله الذي أرسله إليه إلا كنسبة عصاة المسلمين سواء سواء، فإذا كان قول أولئك باطلاً وليس بحق فهو باطل وليس بحق من هذه الأمة لعدم الفارق.
  وأما الفرقة الثالثة الذين أقروا بدخول أهل الكبائر النار وادعوا خروجهم عنها فيبطله قول الله تعالى حكاية عمن سبقهم إلى هذا المذهب من أهل الكتاب: {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ ٨٠ بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ٨١}[البقرة]، وقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنْ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ ٢٣ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ٢٤}[آل عمران]، وقد تمحل أهل الإرجاء وتعسفوا في تأويل هاتين الآيتين بأنه إنما أنكر الله عليهم أنهم يقولون في الأيام المعدودات ستة أيام، وقيل: ثمانية عشر يوماً، وقيل: غير ذلك من تعيين العدد بلا دلالة، دون القول بالخروج من النار من دون عدد معين مدة البقاء فيها فهو قول صحيح.