[فصل:] في الكلام على أهل الكبائر من هذه الأمة
  قلنا: لم يحك الله تعالى عنهم هذا القول ولا شيئاً من تلك الأعداد فيستقيم التأويلُ وإخراجُ الآيتين عن ظاهرهما، بل صريحهما، وإنما الذي حكاه عنهم وعابه عليهم وحكم بأنه غرور وافتراء وتقول على الله تعالى هو نفس القول بالخروج، ثم ما أتبعه من الآية، وهي قوله تعالى: {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ} الآية، الكافر لأنه الذي أحاطت به خطيئاته دون الفاسق إذ لم تحط به خطيئاته.
  لأنا نقول: الآيتان واردتان في فساق أهل الكتاب المقرين بالنبوة والبعث، وليستا واردتين عن سبب يقتضي تكفيرهم سوى قولهم: لن تمسنا النار إلا أياماً معدودات، وهذا لا قطع بكفر قائله، وإنما يقطع بخطئه وبطلان مقاله، وفسق من أعرض ولم يجب إلى كتاب الله ليحكم بينهم، وحينئذ فما فساق من قبلنا من أهل الكتاب إلا كفساق هذه الأمة؛ لما بيناه أن النسبة إلى الله وإلى الكتاب والرسول سواء، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
  وبعد، فإن أريد بأحاطت به خطيئاته في حق الكافر أي: أدركته جميع خطيئاته التي فعلها فالفاسق كذلك، وإن أريد بأحاطت به: الإحاطة من كل الجهات، ويكون بمعنى أنه ارتكب جميع الخطيئات لزم خروج الكافر عن هذا الوعيد، وعدم تناول الآية إياه؛ لأن أحداً من الكفار لم يرتكب جميع الخطيئات والمحرمات، فلم يبق إلا أن المقصود أدركته أو بقته أو غلبت خطيئاته على طاعته، وهو الفاسق.
  وأما الفرقة الرابعة الذين قالوا بالوقف والتجويز فيبطله جميع ما يبطل أقوال الثلاث الفرق من الآيات المذكورة وغيرها من الآيات الناصة على دخول الفساق النار وخلودهم فيها، فلا معنى للوقف والتجويز فيما قد نص الله تعالى عليه وأخبر به على القطع، وإلا لجاز التوقف والتردد في جميع ما أخبر الله تعالى به من قصص الماضين، وأحوال المعاد، وصفة الجنة والنار، وغير ذلك، وذلك