الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[ما تمسك به المرجئة من الآيات والأحاديث، والرد عليهم]

صفحة 415 - الجزء 2

[ما تمسك به المرجئة من الآيات والأحاديث، والرد عليهم]:

  ولنذكر جملة مما تمسك به المخالفون في هذه المسألة من الآيات والأحاديث، ونتبع كل آية أو حديث بما سنح من المقال الدال على أن لا دلالة لهم في ذلك، وإنما نذكر هاهنا ما هو أقوى أدلتهم وأعظم متمسك لهم؛ ليعلم به بطلان ما عداه مما لم نذكر، فنقول وبالله نصول:

  الآية الأولى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا}⁣[النساء ٤٨]، وقد مر الكلام على هذه الآية في كيفية استدلالهم بها والرد عليهم بما فيه كفاية، وقررنا أنها مجملة لا دلالة فيها على مدعَاهم من غفران الكبائر بلا توبة، وأنها لم تسق لهذا المعنى، وإنما سيقت للإخبار والتفضيع والمبالغة والتأكيد لقبح الشرك، فليراجع.

  الآية الثانية: قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا}⁣[الزمر ٥٣] ولم يشترط توبة، فدخل الفاسق، وهو المطلوب.

  قلنا: ظاهر الآية متروك بالإجماع؛ للزوم أنه تعالى يغفر الشرك وسائر أنواع الكفر بلا توبة، فلا متمسك بظاهرها، بل يجب تأويلها بأن المعنى: يغفر الذنوب جميعاً مع التوبة، يدل عليه الآيات بعدها {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ ٥٥ أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ ..}⁣[الزمر] الآيات، فدل على أن المراد: يغفر الذنوب جميعاً مع التوبة، وإلا لكان إيراد هذه الآيات بعدها لغواً.

  وبعد، فالخطاب في هذه الآية للكفار فلا يدخل فيه الفساق، يدل على ذلك أول الكلام وآخره، وهو قوله تعالى في أوله: {قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ}⁣[الزمر ٥٣]، لأن الإسراف هو الزيادة الفاحشة في الطغيان وأنواع الكفر، ذكر الرازي والخازن وغيرهما من أهل التفسير أن