[ما يتمسك به القائلون بوصول الوعيد على أهل الكبائر ودخولهم النار وخروجهم منها]
  لأنه قال في أول الكلام: {يَوْمَ يَأْتِ} يعني يوم القيامة {لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ ١٠٥ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّار}، فلولا الاستثناء للزم أنهم في النار من حين خروجهم من القبور ولبثهم في عرصة المحشر، ومرورهم على الصراط، والمعلوم أنهم لا يدخلون النار إلا بعد هذه المواقف، ولو أراد استثناء أناس وإخراجهم من النار لقال: إلا من شاء ربك، لأن «مَنْ» لمن يعقل، «وما» لما لا يعقل، فعلمنا أن الاستثناء لا يعود إلى أناس، ولا إلى زمن متأخر عن الدخول، بل متقدم عليه. وأما قوله تعالى: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} فمجمل لا دلالة فيه على أن المراد هو ما ذكروه، بل ممكن أن يقال: فعال لما يريد من تخليد أهل النار في النار وأهل الجنة في الجنة. وبعد فيلزمهم مثل ذلك في أهل الجنة؛ لقوله تعالى: {وَأَما الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتْ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ}[هود ١٠٨]، فما أجابوا به فهو جوابنا.
  الآية السابعة عشرة: قوله تعالى: {لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا}[النبأ ٢٣].
  قالوا: والحقب ثمانون سنة، وأقل الجمع ثلاثة، فبعد انقضاء ثلاثة حقب يخرجون من النار.
  قلنا: يلزم مثل ذلك في الكفار؛ لأن الطاغين المتوعدين بذلك وصف يعم الكفار والفساق بلا نزاع، بل الأظهر أنها في الكفار؛ لقوله تعالى بعدها: {إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَابًا ٢٧ وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا ٢٨}[النبأ]، لكن نقول العبرة بعموم اللفظ، فلا دلالة فيما ذكروه على الخروج وإلا لزم خروج الجميع، وهذا الجواب إلزامي ومعارضة.
  والجواب الحل أن نقول: لم تقيد الأحقاب بعدد معلوم حتى يُدَّعى الخروج بعدها، ولو قيد لكان أخذاً بالمفهوم وهو لا يصح فيما المطلوب فيه اليقين، ولا يمتنع أن يقال: أحقاباً غير متناهية؛ لأدلة الخلود المارة وغيرها.