الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[فصل:] في الكلام على أهل الكبائر من هذه الأمة

صفحة 423 - الجزء 2

  الآية الثامنة عشرة: قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا ٧١ ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا ٧٢}⁣[مريم].

  قلنا: الخطاب عام، فيلزم دخول المؤمنين النار وهو معلوم البطلان، فالمراد بالورود الحضور، كقوله تعالى: {فلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ}⁣[القصص ٢٣]، أي: حضر {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا} بعدم إدخالهم إياها {وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} بإدخالهم فيها وتركهم فيها جثيا على الركب، وهو يعم الكافر والفاسق، ثم لا دلالة على إخراج الفاسق؛ لأنه لم يكن من الذين اتقوا، ولو كان من الذين اتقوا لما دخلها، فلا دلالة في الآية على مدعى الخصم.

  الآية التاسعة عشرة: قوله تعالى: {يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ}⁣[التحريم: ٨]، مع قوله تعالى: {رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلْ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ}⁣[آل عمران ١٩٢].

  قال أهل القول الأول القائلون بأنه لا وعيد على مسلم: يلزم من الآيتين أن لا يدخل مسلم النار؛ لأنه لو دخل لأخزي، فينقض قوله تعالى: {يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا} يوم يردون معه عرصة المحشر ثم يفارقهم ويدخلون النار فيخزون، فلا تناقض بين معنى الآيتين، فجعل قوله: «معه» متعلقا بمحذوف وهو يردون، لا بالمذكور وهو قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا} وكلا القولين مبني على أن الإيمان بمعنى التصديق فقط.

  قلنا: معنى الآيتين ظاهر من دون هذه التمحلات العاطلة والتعسفات الباطلة؛ لأن الإيمان: الإتيان بالواجبات واجتناب المحرمات، فمن دخل النار فليس بمؤمن؛ لأنه قد أخزي والمؤمن لا يخزى، فلا دلالة في الآيتين على أي المذهبين، بل فيهما دلالة لأهل الحق من أن الإيمان هو الإتيان بالواجبات واجتناب المحرمات. وما ذكره الرازي: من تقدير ما يتعلق به المعية بمحذوف لا وجه له مع وجود ما تتعلق به المعية، فإن كل من قرأ الآية لا يفهم منها إلا أن